كتاب

الأردن ولبنان وبلاد الشام

عندما يكون هناك حدث تتطلب مخرجاته بعدا إنسانيا في منطقة الشرق الأوسط يكون الأردن دائما جزءا لا يتجزأ من هذا الحدث ببعده الإنساني فكيف إذا كان الحدث يخص دولة عربية شقيقة اعتبر في المعايير الأردنية بوتقه وايقونة للتعددية بكل مفاصيلها مثل لبنان.

لقد خاطب جلالة الملك مؤتمر دعم لبنان الذي دعت اليه الجمهورية الفرنسية وعلى رأسها الرئيس ماكرون من اجل المساعدة في اخراج لبنان من أزمته الجيواستراتيجية ونعني هنا ان جغرافيا لبنان السيادية والسياسية تجعله دائما رهينة للحراك السياسي وعدم استقرار السياسي المنبعث من التناقضات الجذرية بين القوى المؤثرة في لبنان وهذا ما جعل لبنان رغم قوته المعرفية ورغم ابداعه الوطني يخضع لتلك التجاذبات مرغما.

عندما خاطب جلالة الملك هذا المؤتمر قال بأن الأردن يقف الى جانب لبنان بغض النظر عن طبيعة ازمته داخلية او خارجية فكيف اذا كانت ازمته ببعد انساني بحت ناتجة عن كارثة غير مسبوقة مثل كارثة انفجار مرفأ بيروت من هنا كان الأردن من أولى الدول المبادرة للدعم الإنساني من خلال مستشفى ميداني اردني وكوادر اردنية للتفاعل مع الحدث اللبناني طبعا من خلال واقع المرتكزات العروبية للهاشميين والاسناد الطبيعي للأردنيين لأشقائهم العرب فكيف اذا كان ضمن اطار البعد الجغرافي في منطقة بلاد الشام والذي نوه جلالة الملك إلى ان هذه المنطقة ونتيجة لازمة كورونا والأزمات السياسية في الإقليم قد أدت الى ازمة غير مسبوقة فيما يخص الغذاء وان موضوع الغذاء والإنتاج الزراعي في هذه المنطقة هو الذي تأثر تأثرا كبيرا وجعل الامن الغذائي في منطقة بلاد الشام يتجاوز الخطوط الحمراء مما شكل معضلة جديدة تواجه الدول في المنطقة باعثا برسالة بأن الأردن قادر على تجاوز هذه المرحلة وانه مرجعية حقيقية مسلم بها في معالجة تلك الازمة الغذائية ارتكازا على ان الأردن الوحيد تقريبا من دول بلاد الشام الذي يستطيع ان يتخطى ازمة التزويد الغذائي وقادر أيضا على تعميم تجربته الذاتية المرتكزة على القيمة المضافة لدول الإقليم كون الازمة بمقاييسه الأردنية هي ازمة ناتجة عن تداخلات خارجية وسياسية.

اما اللافت في النظر بان جلالة الملك لم يتطرق خلال كلمته الى بعد سياسي للازمة لأنه يعتبر ان المشاكل السياسية او الازمة السياسية في بناء الدولة اللبنانية شأن خاص لا يمكن لاحد ان يتدخل في الشؤون اللبنانية الأردنية وان الأردن انطلاقا من مبدأ ان الأردن يرفض التدخل في الشأن الداخلي في الدول وان هذه الدول وشعوبها هي صاحبة الحق المطلق في تحديد بنيتها السياسية لذلك كان التركيز الملكي حول الدعم الإنساني والاقتصادي والاجتماعي والدبلوماسي للدولة اللبنانية دون التطرق لا من قريب او من بعيد إلى ازمة الحكم في لبنان لان جلالة الملك يرى بان الحاكمية السياسية يصنعها أبناؤها ولا يمكنها ان تخضع الى توازنات القوى الخارجية المؤثرة في الإقليم والاستدامة السياسية تعبر عن التوافق الذاتي ولا يمكنها ان تخضع للتحولات الموضوعية في سياسة الدول المؤثرة.