كتاب

«بربارة» أم عيسى

كان ذلك منذ أكثر من ثلاثين عاماً حين كانت أم عيسى تعد «البربارة» مع بداية شهر كانون الأول وتبدأ بتوزيعها على الجيران من المسلمين، كانت تقوم بإعداد «طنجرة «لكل عائلة من الجيران على الرغم من وضعي المادي المتواضع وعلى الرغم مما تتطلب «البربارة » من لوازم مكلفة.

غادرتنا أم عيسى قبل سنوات ولكن طعم «البربارة» التي كانت تعدها ما يزال في فمي وأحرص على تذكرها بإعداد «البربارة» وشراء لوازمها من العطار لكن دون جدوى للوصول الى ذلك الطعم والسر الخاص بأم عيسى.

خطرت على بالي تلك الذكريات الرائعة مع الجيران الأعزاء في جبل اللويبدة والمشاركة الطيبة للأسرة الواحدة في الحي والى التعاون الفريد في صنع الفرح وغرس المحبة في النفوس وخصوصا الصغار مع مناسبات الاحتفال بالأعياد.

لم تكن أم عيسى حالة فريدة، بل كانت جميع الأمهات مثلها تماما؛ تعد كل واحدة للجيران مع المناسبات والأيام العادية ما لذ وطاب بفرح وصفاء ونقاء وكم الشعور التام لأهل اللويبدة مع حلول شهر رمضان المبارك والأجواء الرائعة للإفطار معا وتبادل أطباق شهية قبل الإفطار والسحور بقليل.

كانت أم عيسى تعد «المجدرة» عند موعد الصوم وقبل عيد الفصح وكم كانت «مجدرتها» لذيذة وكذلك كانت تصنع أم حنا وأم طوني وأم جورج وأم وليم وسيدات الحي بمودة ومحبة للجميع في ظل أجواء الجيرة الصادقة والأصيلة.

ما جعلني أكتب عن ذلك الأثناء التي نعيشها مع كورونا والتي غيبت العديد من الاحتفالات والمناسبات الجميلة والخالدة في الذكريات وفي الوجدان العماني الرحب بجميع من سكن في جبالها وعلى امتداد الأجيال المتعاقبة.

قيم وعادات و«أكلات» غابت منذ سنوات عن الحضور وعن الحوار النفيس بين الصغار والكبار وبين الجيران بلغة واضحة ورائعة تعكس معنى العشرة والوئام والترابط والبساطة والعمق في التعبير والاحترام المتبادل.

نتحدث عن معنى الانتظار المشترك لقدوم العيد وها نحن نشرع لاستقبال عيد الميلاد المجيد وسط جائحة كورونا والتي عصفت بكل الترتيبات والاستعدادات والمناسبات تلك العزيزة والغالية على نفوس الجميع وحول العالم على حد سواء.

تذكرت بمناسبة إعداد البربارة «أم عيسى» وتفاصيل كثيرة كانت تلم الجميع في وقت واحد وتحت سقف واحد وبقلب سليم وخلق رفيع وإيمان حقيقي وتعامل نقي وأسلوب راق، تذكرت أم عيسى لذلك وأكثر؛ فما زال طعم «البربارة» منها في فمي شهياً.

fawazyan@hotmail.co.uk