كتاب

حكايتنا مع قتل الحيوان.. منذ الأزل!

شد اهتمامي كثيراً خبر ربما بدا هامشياً عابراً حيال الأحداث الاخرى وقد نقلته وكالة الأنباء الفرنسية ونشرته $ قبل أيام بعنوان «سنغافورة تجيز بيع لحم دجاج اصطناعي»، كما أنه أثار شهيتي لا لوجبة منه بل للعودة إلى حديث عن اللحوم وأضرارها صحياً وعدم جدواها تغذوياً فضلاً عن انعدام الرحمة في الحصول عليها بقتل حيوانات أليفة بريئة ندَّعي حبها وتظن أنها تعيش بيننا مطمئنة! والعودة أيضاً لاستنكار القسوة الفظيعة أثناء تربيتها والمتاجرة بها وشحنها مكدسة في أقفاصٍ حد الاختناق تمهيداً لذبحها وسلخها ومن ثم شيّها على النار أو سلقها بالماء المغلي كي نتمتع بالتهامها..!

من الضروري لاستيعاب الموضوع جيداً ان نلمّ بتاريخنا على كوكب الأرض حسب علوم النشوء والتطور التي تفيد بأننا بدأنا في افريقيا كحيوانات لا أهمية لها وبلغنا مرحلة «الجنس البشري» قبل نيف ومليوني سنة ثم مرحلة «الإنسان العاقل» قبل ٢٠٠ ألف سنة وانتشرنا خارجها حتى استراليا وهناك قبل ٤٥الف سنة قضينا على أحد شركائنا وهو «حيوان» ضخم من نوع الميغا فونا لأنه زاحمنا على الماء والكلأ! وإلى أميركا حيث قضينا على نفس هذا النوع قبل ١٦ ألف سنة.. ومع الثورة الزراعية قبل ١٢ ألف سنة بدأنا مع الاستقرار تدجين الحيوانات للمتاجرة بها مستخدمين الثورة الصناعية.

قول الخبر إن وكالة الأمن الغذائي في سنغافورة أجازت للشركة الأميركية «إيت جَست» التي تطور مشروع لحوم مخبرية تِصْنع من خلايا حيوانية ان تبيع قطع الدجاج التي تنتجها في هذه المدينة، واعتبرت ذلك إنجازاً مهماً لقطاع الصناعة الغذائية في العالم حيث تعمل الآن عشرات من الشركات الناشئة على مشاريع لحم اصطناعي لكن الانتاج لا يزال قيد التجربة..

ترى ماذا يعني ذلك في المستقبل الواعد؟ يمكن ان يعني بداية انتهاء عصرٍ طال وكان شديد القسوة على الحيوانات المدجّنة بتجارة وصناعة اللحوم وهو ما كان يُثير غضباً مستحقاً لدى جمعيات الرفق بالحيوان وألماً واشمئزازاً لدى من يتفكرون ويعلمون أنها ليست مادةً غذائية أساسية لا يُستغنى عنها إذ أن لها بدائل في أي طعام متوازن المحتويات بل قد تنقل أمراضاً خطيرة وتتسبب بأخرى، ويمكن أن يعني أيضاً بداية انتهاء مشكلة بيئية جرّاء تربية المواشي على نطاق تجاري واسع فهي مصدر غزير لغاز الميثان يفاقم مفعول الدفيئة في الاحترار الأرضي المفضي لحرائق الغابات وذوبان جبال الجليد وكوارثها..

من المسلم به ان الإنسان تعلّق عبر ألوف السنين بطعم اللحوم على انها الأشهى وتم التعبير عن ذلك في بعض الكتب المقدسة وبات جزءاً من الطقوس بدءاً بتقديم القرابين للكهنة في المعابد وما تبعه من عادات وتقاليد رسّخت ثقافة اشتهاء اللحم في الطعام حول العالم ولو بقتل ملايين من هذه المخلوقات الحية!

وبعد.. لسنا حالمين لكن من حقنا على الأقل أن نفرح لو تحقق هذا التحوّل، وعنده لن نخجل أن نقول لكل من يتناول وجبة تحتوي لحماً اصطناعياً.. هنيئاً مريئاً.