قدسية الحدود الموروثة عن الاستعمار في القانون الدولي
09:59 30-11-2020
آخر تعديل :
الاثنين
لقد كان الهدف من تثبيت الحدود الموروثة عن الاستعمار في القانون الدولي, هو استقرار خطوط الحدود الدولية وثباتها، طبقاً لسند الحق الذي تستند إليه كل دولة، ولا يجوز تعديلها إلا باتفاق الأطراف المتجاورة، حتى أضحى ذلك قاعدة قانونية آمرة تبناها القضاء الدولي للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين. فمنذ إنشاء هيئة الأمم المتحدة، سعى المجتمع الدولي من خلال مبادىء ميثاق الأمم المتحدة عام1945، للعمل على حفظ السلم والأمن الدوليين، وعلى حق الشعوب في تقريرمصيرها، وكذلك عدم اللجوء للقوة وحل النزاعات الحدودية والإقليمية بالطرق السلمية. ونعلم جميعا أن أغلب المشاكل الحدودية والإقليمية، كان سببها الموروث الاستعماري الذي أدى إلى تفكك دول كبيرة، وانفصال الإقاليم عنها، إما بسبب الحرب العالمية الثانية أو لأسباب أخرى، كما حصل بالاتحاد السوفييتي, في حين كانت قارتا إفريقيا وآسيا أكثر المناطق تضرراً، والتي ما زالت تشهد خلافات ونزاعات حدودية وإقليمية بين الدول المتجاورة، ناجمة عن الحدود الموروثة عن الاستعمار.
لقد دخلت الدول الأوروبية مثل: إيطاليا، ألمانيا، إسبانيا، البرتغال، بريطانيا وفرنسا بحروب عالمية طاحنة، ليس بسبب خلافات فيما بينها، وإنما بسبب صراعها على النفوذ الاستعماري على أراضي الدول الضعيفة، لا سيما في إفريقيا وآسيا، فكانت النتائج كارثية وعلى الأخص من قبل بريطانيا وفرنسا، حيث تم تقسيم تلك الدول فيما بينهما تقسيماً جراحياً على الخرائط، لم تأخذ تلك الدول بالاعتبار في تعيين الحدود الأبعاد الجغرافية الطبيعية مثل: سلاسل الجبال والبحار، والأنهار كحدود فاصلة، ولم تأخذ بالاعتبار الروابط الاجتماعية والعرقية والتاريخية لتلك الشعوب، عند توزيع مناطق النفوذ فيما بينها، فكانت النتائج أن أنُشئت دول ومُسحت دول عن الخريطة، وقسمت دول إلى دولتين أو أكثر، وتداخلت وتفسخت مجتمعات، أدى ذلك إلى حروب التطهير العرقي والهجرات الجماعية. والحقيقة أن هاجس وهدف الدول الاستعمارية من ذلك، هو توازن المصالح وتوزيع الحصص التي طغت على كل الاعتبارات الإنسانية.
ومن جهة أخرى الإبقاء على حالة عدم الإستقرارالإقليمي، لضمان بقاء تلك الدول في حالة من التبعية الدائمة، حتى وإن استقلت مستقبلاً. وبالفعل كانت النتائج صراعات وحروب عرقية وإقليمية وحدودية وادعاءات متقابلة على حقوق سيادية، استمر العديد منها إلى يومنا هذا.
لقد عجز المجتمع الدولي وكذلك الأمم المتحدة وجميع المنظمات الدولية القارية والإقليمية, رغم اعترافها بمبدأ قدسية الحدود الموروثة عن الاستعمار، من إيجاد حلول لتلك المشاكل، رغم تدخل مجلس الأمن الدولي ولجوئه في بعض الأحيان إلى استخدام الفصلين السادس والسابع لاستخدام العقوبات الاقتصادية وحتى اللجوء للقوة العسكرية. ولكن بسبب حالة الاستقطاب الدولي بين القوى الدولية العظمى التي تملك حق النقض في مجلس الأمن، لم تنجح الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية في حل كثير من النزاعات الدولية. وفي النهاية حتى لا يكون هناك خلط لدى الكثير من الناس، لا بد من التفريق في القانون الدولي بين الحدود الموروثة عن الاستعمار وبين الأراضي المحتلة، والذي إن شاء الله سوف نتحدث به بمقال مستقل مستقبلاً.
مستشار وأستاذ القانون الدولي العام