... زمان كانت أرقام (الكورونا) كذبة, وكنا نحزن على الدول العربية الشقيقة التي تسجل حالات بالمئات, ونصفق لأنفسنا كثيرا ولنظامنا الصحي ولسعد جابر, كنا نصر على أننا نشكل حالة ونموذجا في الإقليم.. ونريد تصدير تجربتنا للعالم العربي, وكنا نكتب عن الجيش الأبيض ووعي المواطن, والصعوبات.. وتجاوزها, وكانت هواتفنا كل يوم تلتقط مشهدا من مشاهد الحظر.. وتسجيلاً من تسجيلات الدعوة للعودة إلى المنازل وبدء الحظر..
اليوم واقعنا هو المحزن, انقلبت الاية..فالدول التي اجتاحها الفيروس من عالمنا العربي, صرنا نحن نتصدر أخبارها..بعدد الوفيات وبالأرقام المهولة للإصابات, وأهلنا الذين كانوا في دبي والكويت والبحرين والسعودية, وكنا نهاتفهم كل صباح خوفا عليهم من الجائحة وندعوهم للعودة هنا بحجة أن الأمور مسيطر عليها, هم صاروا من يهاتفوننا.. ويقلقون علينا, ويستطلعون أوضاعنا..
لماذا حين كانت عواصم العالم العربي, تموج بثورات الربيع, ويجتاحها الخراب والفوضى كنا نموذجا.. ولماذا حين كانت هذه العواصم, تضج بالقمع والإعتقالات, كنا نباهي بديمقراطيتنا.. ولماذا حين كان العالم العربي يترنح بين الجوع والفقر, ومعابره الحدودية.. كانت أماكن للرشوة (والقبض).. كنا نفاخر بنظافة جهازنا البيروقراطي.. لماذا حين كان الإعلام في بعض العواصم يغتال ويتم إخراسه كنا نباهي بسقوف الحرية.. لماذا نجحنا في أخطر منعطف مر على العالم العربي وهو (الربيع العربي), وفشلنا في مواجة (الفيروس).. بحيث تصدرنا الأرقام في الإصابات والوفيات, والتضخم.. اليأس والإحباط وفقدان الأمل.
أنا لا أعرف حقيقة, كيف استطعنا أن نخلق من أنفسنا نموذجا في العالم العربي..بحيث أصبح الطب لدينا هو الأهم والتعليم هو المحج..والسياحة هي الأعلى دخلا, بالمقابل لم نستطع أن نحد من أرقام الإصابات, ولم نستطع أن نواجه فيروساً حقيراً, فتك بالمئات من أهلنا.
لا نحتاج لمراجعة النظام الصحي والقرارات, بل نحتاج لوقفة مع انفسنا.. في النهاية الحكومات لا تنثر الفيروس في الجو, ولكن الذين يذهبون للمهرجانات الإنتخابية هم من ينشرونه, والذين ما زالوا يشككون في وجوده.. هم من زادوا أرقام الإصابات، والذين يفتقرون إلى الوعي.. هم من حملوا الفيروس, والذين استهانوا بحياة الإصدقاء والأقارب هم ذاتهم من وضعوهم على أجهزة التنفس..
الشعب الأردني غريب, لقد هزمنا إسرائيل في أكثر من معركة, هزمنا كا من حاول اختراق البلد وتفتيتها, هزمنا الربيع العربي ومخرجات الدمار فيه, هزمنا الزمن الذي تمحا فيه دول وتخرج بدلا منها المليشيات, هزمنا الجوع.. هزمنا كل محاولات تفرقتنا كشعب واحد, ودحرنا الإرهاب.. لكننا للأسف هزمنا أمام فيروس لئيم..
لماذا ننتصر في المعارك الكبيرة, ونهزم أمام مسألة ارتداء الكمامة؟!.
Abdelhadi18@yahoo.com