منذ (5) سنوات، وأنا كلما أدرت قرص المذياع للمحطات المحلية، تداهمني مذيعات الصباح المغمورات باثنين من العناوين لا ثالث لهما: (الطائة الإيجابية), (التغزية السليمة).. ولا بد من نصائح عن (الطائة الإيجابية) ولا بد أيضاً من استشارة خبيرة من خبيرات (التغزية).. والحديث عن السعرات الحرارية.. والمطالبة بالإكثار من السوائل, وآخر ما سمعته اليوم من خبيرات التغذية هو دعوة إحداهن المستمعين للإكثار من تناول (البندء).. وتقصد البندق.. وأسهبت في الحديث عن فوائده للقولون والبنكرياس.. والأخت يبدو أنها لا تعرف ثمن كيلو (البندء)..
هل تعرفون لماذا تعثرت صحيفة مثل $ وهي التي قادت حركة التنوير في الدولة الأردنية على مدار (40) عاماً؟.. أنا لست ناطقا باسم $ لكني ابنها منذ (20) عاماً وأكثر ومن حقي أن أحمل لها ولو القليل من العرفان، القصة ليست في الصحيفة ذاتها, ولكن حين تمنح الدول تراخيص لـ (46) إذاعة محلية.. وتصبح الإعلانات، أقل سعراً... وتحتوي على الدلع وتكرر على مدار اسبوع... فهذه جريمة بحق التنوير والمعرفة والعقل..
حين تقوم الدولة بنقل ذهن المستمع، من الحديث عن وضع البلد وتاريخه، من قراءة قصيدة لحبيب الزيودي، أو تحقيق عن الفقر في الجنوب.. أو افتتاحية تشرح معنى (الإسلام فوبيا).. إلى تفاهات إعلامية تنحصر في فوائد (البندء) و(الطائة الإيجابية).. حتما ستتعثر هذه المؤسسة العملاقة.
وحين يقوم القطاع الخاص باسم التجديد وباسم الإعلام الشبابي, بضخ عشرات الملايين من الإعلانات، لبرامج (البندء) و(الطائة الإيجابية) على حساب الوعي والعقل والتنوير حتما ستتعثر صحيفة مثل $..
أنا ضد تعميم $ المتعلق بالإساءة وانتقاد بيع المبنى, ولكن ألم يسأل أحد من المنتقدين للتعميم سؤالاً... للحكومات السابقة، والتي تركت صوت الدولة ومنبرها والمدافع عن مشروعها وتحالفت مع «السوشيال ميديا»، لنقل أخبارها وقراراتها.. ألم يسأل أحد نفسه سؤالاً بريئاً عابراً.. لماذا تركت الحكومات هذه الصحيفة ومنذ (15) عاماً وهم يحاولون، دحرها وإزالتها عن مكانتها التي بنتها بالمصداقية.. ولم تحمل في حياتها صوتا عابراً، بل حملت على صفحاتها.. أهم الأقلام، وهي الوحيدة التي استطاعت أن تنقل كتابها من الحالة المحلية إلى الفضاء العربي..
$ في النهاية هي ضحية، لأن الدولة في عامين أعطت عشرات التراخيص للإذاعات المحلية.. ولم تراجع هذا القرار للأسف, ولأن الدولة.. حين تنقلب على بوصلة الوعي في حركتها وضميرها, حتماً سيكون المشهد الإعلامي ملتبسا وينتج الغثاء...لكن علينا أن نعترف بأننا نحن الذين نقاوم, ونصر على الكتابة.. ونتحمل الهجوم ويطلق علينا لقب كتاب التدخل السريع، ونحن الذين تتأخر رواتبنا... وأنا شخصياً كتبت مئات المرات عن وصفي وعن الوجدان العسكري.. وعن الجيش والحب والوطن على صفحاتها، وفي النهاية يأتيك عابر ويقول لك: (باعوا إرث وصفي).. وهو ذاته كان يتهمني في مرات سابقة بأني أبالغ في الحديث عن وصفي...
يبدو أن إعلام (البندء) و(الطائة الإيجابية).. هو التحالف الجديد في المشهد، ولكني مؤمن أن $ ستبقى وحدة القياس في الوعي والتنوير والموقف.
Abdelhadi18@yahoo.com
عن صحيفتي
11:17 31-10-2020
آخر تعديل :
السبت