كتب - ناصر الشريدة
اصبح سكان بلدة تبنة يرون في المسار السياحي البيئي للزيتون الرومي الذي دُشن منذ ايام، فرصة لتسويق بلدتهم سياحيا وبيئيا وزراعيا، وحاضنة للاستثمار من خلال استغلال اشجار الزيتون الرومي باعتبارها ثروة وطنية وتراث بيئي عريق، ميزها على مر التاريخ وعبر العصور المختلفة.
وعلى ربوة يزيد ارتفاعها عن (776) متراً فوق سطح البحر يتربع مبنى فخم يطل على جبل العجمي ببلدة تبنة، جمع نحو خمسين مشاركا ومشاركة يمثلون جمعية تبنة الخيرية وباحثون ومهتمون ومصورون وزراعة الكورة، لاطلاق المسار البيئي للزيتون الرومي الاول على مستوى الاردن.
نُصبت خيمة بيضاء بجانب عمارة الكويتي التي يحلو للتبنويون وصف المكان الانيق، منه تشاهد وانت جالس على كرسي مخملي سهول وجبال فلسطين الحبيبة رغم وهج ارتفاع درجة الحرارة التي تحول من رؤية جمالية الطبيعة بدقة، الا ان المكان والمشهد له دلالات سياحية وزراعية لا مثيل لها.
يقول رئيس جمعية تبنة الخيرية عبدالله بني عيسى، المسار البيئي للزيتون الرومي الذي ينفذ بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الانمائي / برنامج المنح الصغيرة، يهدف الى تحسين سبل العيش لاهالي بلدة تبنة، وادخال مفهوم السياحة البيئية والزراعية، خاصة ان بلدة تبنة تحتضن اكثر من عشرين الف شجرة زيتون رومي يقارب عمرها قلعة عجلون وتتفوق بهذا العدد على كل مناطق الاردن من اصل ثلاثين شجرة رومية موجودة بلواء الكورة. تقع بلدة تبنة شمال شرق لواء الكورة بمحافظة إربد شمال الاردن، حيث يعيش اكثر من ١٥ الف نسمة على مساحة تنظيمية تزيد عن ثلاثة كيلومترات مربعة، ويعتمد الاهالي على الوظائف الحكومية والعسكرية الى جانب الزراعة خاصة مشاريع الزيتون الرومي والصبر والتين والسماق.
وفي اجواء احتفالية، افصح المستشار الزراعي الدكتور جعفر الوديان، عن طول المسار البيئي للزيتون الرومي البالغ نحو (3,3) كيلومتر تتخلله ثلاث عشرة نقطة توقف، تحكي كل نقطة تفاصيل شجرة الزيتون الرومي والاحاديث الشعبية المخزنة في ذاكرة الاجداد والاباء، بحيث تبدأ اول نقطة من ارتفاع (776) متراً وصولا الى اخر نقطة بارتفاع (636) متر.
يؤكد منسق عام مشروع المحافظة على ارث الزيتون الرومي في بلدة تبنة الشيخ خالد بني ياسين، اهمية المسار البيئي الزراعي الاول لشجرة الزيتون المعمرة، كونه يغير وجه البلدة الاقتصادي من باب الترويج والاستثمار السياحي بحيث تصبح منظومة الشجرة الرومية جامعة للانتاج الزراعي والاكلات الشعبية وجاذبة للزوار، والذي تصب في مصلحة مواجهة ظاهرتي الفقر والبطالة، سيما ان في كل منزل شجرة زيتون واحدة على الاقل.
ويضيف، الآن وضعت بلدة تبنة على خريطة السياحة الاردنية بعد اطلاق المسار البيئي، وهذا يدفع بجمعية تبنة والاهالي لاستثمار هذه الشجرة واعداد العدة لبدء المشاريع الصغيرة، والتوسع في تسويق اشهى اصناف الزيت والاكلات الشعبية المرتبطة به.
ويفسر الدكتور جعفر الوديان ترسيم المسار على ارض الواقع بانه خطوة جريئة تحد من الهجرة الى المدينة، وعودة الاهالي للعمل في بساتين الزيتون التي ابتعدوا عنها يوما ما، وتوفير مشاريع صغيرة مرتبطة بالزيت والزيتون تخلق فرص عمل لابنائهم المتعطلين عن العمل، حيث ان ثلث سكان تبنة يعتمدون على واردات شجر الزيتون.
تشعر مديرة جمعية سيدات تبنة التعاونية / احدى المشاركات باطلاق المسار عبير بني عيسى، بان مقبل الايام لبلدة تبنة مبشر بفتح مشاربع صغيرة مدرة للدخل بفعل المسار البيئي الزراعي، الذي سوف يجعل من كل منزل بتبنة مشروعا مدرا للدخل في بيع الزيت والاكلات الشعبية، واكثر من ذلك اقامة استراحات تمكن الزوار المحليين وضيوف الاردن قضاء وقت في البلدة والتعرف على تاريخها واقتصادياتها حيث تضم اثارا وتراثا يشير للحقبة الزيدانية.
وحسب المهندس الزراعي المشارك بالمسار علي المسرات، اطلاق المسار يعتبر نقلة نوعية لبلدة تبنة ولواء الكورة سياحيا وزراعيا، انها لحظات سيسجلها التاريخ وتسطرها اوراق الباحثين والمهتمين، في تبنة ترى طبيعة جامعة تشرف على فلسطين وسهول حوران وبحيرة طبريا والجولان المحتل، الى جانب اشجار الزيتون المعمرة التي لا تراها في غالبية البلدات الاردنية.
ونظرا لاهمية المسار في القطاع السياحي والزراعي والبيئي، استغل مصورون محترفون من عمان محمد عمار وعثمان مقدادي وريما بورنو اطلاق المسار لينقلوا للاردنيين والعالم بالصورة المعبرة بلدة عنوانها شجر الزيتون الرومي العتيق تروي حكايات شعبية ترتعش الاذان لسماعها.
ويقول رئيس فريق المصورين المصور الاحترافي محمد عمار، حين سمعت وقرأت مزايا بلدة تبنة التي تشابه قريتي مسقط رأسي بفلسطين بما فيها شجرة الزيتون الرومي والقلعة والمسجد الزيداني واطلالتها البهية على الافق الفلسطيني، سارعت للمشاركة بالمسار مع زملائي المصورين لانقل للعالم ان التوأمة الاردنية الفلسطينة كل لا يتجزأ، فشكرا لجمعية تبنة ومنظمة الامم المتحدة على اطلاق المسار.
تشتهر بلدة تبنة بأكلة المطابقة المكونة من العجين والدجاج البلدي والزيت والمشوية بافران الطابون القديمة، وتعتبر وجبة طعام رسمية تقدم بناء على طلب الضيوف الاعزاء، وذات الوقت تحمل معاني جميلة.
المصورة الرشيقة الحاصلة على شهادة الهندسة المعمارية ريما بورنو والتي تمارس مهنة التصميم الهندسي في احد مكاتب العاصمة عمان، رأت كما تقول في تفاصيل وحارات تبنة العتيقة وشجر زيتونها الرومي مادة تستحق التصميم والرسم والتصوير، لان هذه المعطيات الموجودة على الارض لا زالت تحافظ على ادامتها ووفرة انتاجها.
وتضيف بورنو، تبنة بلدة تراثية واثرية ضاربة جذورها بالتاريخ، ومن حقها علينا ان نساهم في اعادة الحياة لها اقتصاديا وسياحيا، سيما انها بلدة جميلة يسكنها اناس طيبون ويتميزون بالعلم والمعرفة.
ويوضح الدكتور الوديان، ان المسار البيئي سوف يخلق عدة نشاطات تسهم في تحسين الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياحي والزراعي، منها تصنيع الخزف والفخار والاواني الخشبية والشعبية حيث يمكن العودة الى استخدام الأواني الفخارية والأواني الخزفية والخشبية بالطريقة التي كان اباؤنا يستخدمونها قبل دخول الادوات المعدنية وقبل دخول البلاستيك الى سلوكنا الاستهلاكي، فضلا عن اقامة مشاريع التصنيع الغذائي الذي يرتبط بالزيت والزيتون.
ويضيف، ان المسار سوف يستوعب اعداد كبيرة من ابناء البلدة الدارسين للعمل كادلاء سياحيين، بعد ان بات النشاط السياحي يلقى اهتماما كبيرا من الجهات الرسمية والمواطنين.
ان ادخال النشاط السياحي في الاعمال الزراعية اخذ يكتسب شعبية في السنوات الاخيرة، بعد ان اصبحت سلسلة النشاطات الزراعية والسياحية والبيئية مكملات لبعضها، وادت الى جذب الزوار وساهمت في تحسين معيشة صغار المزارعين، فهل نشهد قريبا تحولا وتغييرا سياحيا وبيئيا في تبنة يقفز عن الأساليب التقليدية الى الأساليب الأكثر استدامة، لنرى ؟!.
أول مسار بيئي للزيتون الرومي العتيق
12:00 25-8-2020
آخر تعديل :
الثلاثاء