سامح المحاريق
توجد معايير كثيرة لتقييم أداء التعليم في البلدان المختلفة، وأكثرها موثوقية التي تصدر عن الأمم المتحدة، ويبدو أن الأردن في مرتبة متأرجحة، فلا يمكن الزعم بأنها مرتبة سيئة أو متراجعة، ولكنها ليست المرتبة التي نتطلع لها في الأردن، ولا يكفي أن نعقد المقارنات مع الدول العربية لنخرج بنتائج مريحة، مع أن المقارنات تضع السعودية والبحرين في مراتب تتقدم الأردن، هذا على مستوى المدارس، أما على مستوى الجامعات فتنضم الإمارات وقطر للتقدم على الأردن.
السوق الخليجي كان تاريخياً المقصد الأساسي للكفاءات الأردنية، وهذه الوضعية، بجانب الظروف الاقتصادية تذهب بأن الأردنيين لن يكونوا في مقدمة الخيارات التي تتوفر لدول الخليج العربي، ولذلك فمن يفكر في السوق الخليجي يعيش في الماضي.
التجول في التصنيفات العالمية دفعني أساساً للتوجه إلى مجموعة من البلدان مثل رومانيا وصربيا وبلغاريا، لأنها تشكل مصدراً واعداً للقوى العاملة في أوروبا التي تعاني من الميل إلى الشيخوخة، وكنت أتطلع إلى أن أجد الأردن قريبة من هذه الدول في منتجها التعليمي، إلا أن الوضع لم يكن كذلك، بل واحتلت بعض دول أوروبا الشرقية والبلطيق مراكز متقدمة واستطاعت أن تسبق دول أوروبا الغربية فبلدان مثل استونيا وليتوانيا وسلوفينيا تتقدم على بلجيكا وفرنسا والنمسا وأسبانيا وايطاليا.
يتغير العالم ونحن في منطقة رمادية، لا يمكن أن نستسلم لدعاوى تقول بأننا متراجعون على مستوى التعليم، ولا يمكن أن نقع في فخ أن الأمور تمضي بشكل جيد، فالعالم في سباق واسع، والأردن تقريباً في مكانه.
مع إعلان نتائج التوجيهي وحصول عشرات الطلبة على العلامة الكاملة، والإشكاليات التي تعلقت بالدوام خلال جائحة كورونا، والتغيرات التي أصبحت رافقت التعليم خلال العقد الأخير تحديداً، وما يسمى بتراجع هيبة التوجيهي الذي يرفد الجامعات بالطلبة، بالإضافة إلى وجود تضخم في كتلة الطلبة الجامعيين مقارنة بالمتدربين المهنيين، يصبح الحديث مناسباً عن مؤتمر وطني للتعليم في الأردن يضع استراتيجية عابرة للحكومات، فليس معقولاً أن يتأرجح الرضا عن أداء التعليم بين وزارات تصر على أن يتحول التوجيهي إلى كابوس يجثم على صدور الطلبة والأه?لي، وأن يصبح مجرد محطة تغدق بالتفوق بصورة لافتة تدفع للتشكك في كل ما يحدث، والتعليم بالمجمل أهم وأسمى من أن يترك لتوجه أو تصور أي وزير أو حكومة.
القصة اليوم ليست الحديث عن نجاح أو فشل تجربة التعليم عن بعد، وليست في حروب التصريحات أو اختطاف الأضواء، ولا في وضع التعليم في مرمى السياسة، ولكن في الوصول إلى تقييم حقيقي يمكن على أساسه التوجه بالدفة إلى المستقبل.
لدينا أجيال عديدة من التربويين الذين عملوا في الميدان، وتنوع كبير في تصوراتهم وأفكارهم، ولدينا عمق أكاديمي في العملية التربوية وفي التخصصات المختلفة التي يتلقاها الطلبة، والهدف مبدئياً أن نحدد وجهتنا بدلاً من التأرجح، والمؤشر ربما يكون موجوداً، علينا أن نسبق رومانيا وبلغاريا، أو نتموضع بينهما، أي أن نتقدم عشرين موقعاً على الأقل، وبعد ذلك يمكن التفكير في مزيد من التقدم في عالم يعيش لحظة تغير كبرى.