... لي صديق في الكرك إسمه (أبو وضاح) حسين الطراونة، يقدم فيديوهات ساخرة بلهجة كركية حقيقية، وليست متصنعة.. ويصور (الفيديوهات) في الكرك، على مقربة من دكانة الحي وفي فناء المنزل.. لايمتلك شركة إنتاج، ولا يوجد في (الفيديوهات) التي يصورها إضاءة.. ولا (لوكيشن)، ولا نفقات إنتاج، هو صاحب الفكرة وهو المنتج وكاتب السيناريو والمعد..
(أبو وضاح) لم يقم بالسطو على اللهجة الكركية، ومن ثم توظيفها في المعارضة.. ومن ثم تسخيرها لجلب الدنانير في شبابيك التذاكر، وعبر شركات الإنتاج.. لأنه ببساطة كان أحد المتقاعدين من المؤسسة العسكرية، ومن الأوفياء لتراب البلد.. وكان العاشق للدولة وشعبها ولكل الزيتون الصاعد في تراب الجنوب..
كل صباح أراقب صفحته، وأستمتع بما أنتج من نكتة، من مفارقة اجتماعية.. ومن تعرية لواقع مؤلم نعيشه، وأجزم أن هذا الرجل لو انتبهت له شركات الإتصال والإنتاج.. لشكل حالة في المجتمع الأردني، مهمة وخطيرة.. فهو يمتلك من الإبداع ما يؤهله لأن يكون نجما ساطعا على (السوشيال ميديا).. ولكن الكارثة تكمن في أن الدعم الخاص والعام، ينظر في «السوشيال ميديا» لأرقام المتابعة وعدد المشاهدين، ولا يركز على المضمون.. وغالبا من يحظون بدلال القطاع الخاص، هم أصحاب المضمون «الهابط» الخالي من أي قيمة.
في فترة الحظر، أمضيت وقتا كثيرا في متابعة ما يبثه (ابو وضاح).. هو لا يخجل من إظهار علبة الدخان، لا يخجل من إظهار باب منزله العتيق، هو لا يتحسس أبدا من الجلوس على (فرشة) صوف حقيقية، تم تنجيدها في سوق الكرك.. هو أيضا لا يزيل كأس الشاي من أمامه، والكأس تدل على أنه ما زال يشرب الشاي (الحل).. ولا يحتسي شاي (الميداليات).. هو أيضا، لا يخجل من تفاصيل منزله العادي.. لايتردد في إظهار الرطوبة.. على حواف الجدران، وهو أيضا يفتخر حين يظهر قميص الجيش، والرتبة العسكرية (وكيل) معلقة عليه، ويخبر الناس بأن هذا القميص كان اخر ما ارتداه زمن العسكرية، وحين أحيل للتقاعد بقي محتفظا به.
حسين الطراونة (أبو وضاح) حالة حقيقية صادقة، لم تزيف (السوشيال ميديا).. لابل عرض حقيقة الإنسان الكركي، لم يقم أيضا بابتزاز أحد، وأجزم أن (أبو وضاح) لايوجد في قاموس حياته هذا المصطلح، ولم يحصد شعبية.. عبر توجيه شتم أو إساءة، أو التلفظ بكلمة نابية.. كل ما فعله هو أنه عبر عن هويته الحقيقية.
علينا أن نعيد النظر في مسألة (السوشيال ميديا).. علينا أن ندرك، أن من يدافعون عن هويتهم الصادقة ولهجتهم الحقيقية، يختلفون كثيرا عمن وظفوا لهجتنا.. وعرضوا صورة الكركي في إطار النكتة السمجة، والمفارقات الغبية...
نجمي المفضل في الكوميديا الهادفة، وعلى السوشيال ميديا هو حسين الطراونة (ابو وضاح) الوكيل المتقاعد من سلاح الجو، والذي يؤمن بالوطن وبالناس.. ويحب الحياة كما يجب.. ويمارس النقد باحتراف دون إساءة، ألا تستحق هذه الحالات.. منا الدعم؟
Abdelhadi18@yahoo.com
مواضيع ذات صلة