سامح المحاريق
تتزاحم تصنيفات الدول التي تغطي عشرات المؤشرات الاقتصادية والتنموية والاجتماعية، وتعتبر جزءاً من منظومة التقييم التي تعتمد عليها الحكومات، ففي عالم متداخل ومفتوح لا يمكن التصرف من منطلق الأم التي تعتقد أن ابنها هو الأجمل والأذكى في العالم، ولا يمكن الاكتفاء بأن نتقدم محلياً، فهذه أغلوطة خطرة، لأننا نمشي ونستعرض ونتكاذب ونتفاخر محلياً مثل العجائز الذين توفي (أجيالهم) والعالم يركض من حولنا.
أنزعج في أي تصنيف ايجابي إذا كان الأردن في مرتبة تتجاوز المئة، أشعر أن مئة دولة تسبقنا، وبعضها دول كنا نتفوق عليها كثيراً، وتراجعنا في تصنيف الأمم المتحدة لتنمية الحكومة الإلكترونية بتسعة عشر مرتبة أمر محزن ولا بد من وقفة تجاهه، خاصة أن الحكومة نفسها، ألزمت نفسها، بأن تحقق تقدماً مشهوداً على هذا المستوى، بل و(كبرت حجرها) وأدخلت مصطلحات مثل الثورة الصناعية الرابعة، ولا أحد يعرف كيف سنلحق بهذه الثورة مع سرعة انترنت ضعيفة لم تعد أمراً خافياً على المستخدمين، ومع عشرات المنصات التي أصبحت تشكل فوضى إلكترونية ولا يمكن رصد ما الذي يعمل منها من الذي لا يعمل، وكأننا ننقل التعقد البيروقراطي من العالم الفعلي إلى الافتراضي.
من يقول اننا بخير على مستوى التحول الإلكتروني لا يدرك أين وصلت دول العالم الأخرى، ولا يعرف مدى عمق مشكلته، فهو متعطش للإطراء والتصفيق ويضيق بالنقد والمحاسبة، وفي عالم التكنولوجيا لا كثير من الإطراء، فكل المنجزات التي قدمت في السنوات الأخيرة دخلت حياتنا وأصبحت روتيناً، والإنسان بطبعه متعطش للمزيد، ولا يوجد كبير في التقنية، وشركات مثل نوكيا وياهو تقدم الدليل القاطع على ذلك.
الأمر لا يتحمل التردد والتجربة والخطأ، ما الذي أمامنا أصلاً أن نفعله سوى أن نقحم أنفسنا في هذا السباق من خلال متخصصين حقيقيين يمكنهم أن يقدموا الفارق المطلوب، والمحزن أنهم موجودون وقمنا تحت طائلة الإحباط بتصديرهم إلى دول أخرى تسبقنا كثيراً في مؤشرات التنمية، وبدلاً من استعادة طيورنا المهاجرة والناجحة في الغرب نتحول إلى أسرى في خيارات تقوم على الصدفة.
أمامنا طريقان، فإما أن نعتبرها مسألة سياسية يتوجب أن يتصدى لها شخص يعرف كيف ينتزع التقدم على الرغم من التعطيل والمقاومة، وهذا أمر غير ممكن حالياً في ظل ضعف البنية التي تنتج السياسيين الحقيقيين الذين يجيدون قيادة التحول الاستراتيجي من الصفوف الأمامية ويمكنهم الاشتباك على مستويات مختلفة، أو أن نعتبرها مسألة تقنية يجب أن يتولاها من يمتلك فعلاً سيرة ذاتية ثرية مليئة بالإنجازات الحقيقية والملموسة والنجاحات المشهودة، أما أن يمضي التحول بنفس الشروط الحالية فالنتيجة ستكون حتماً مخيبة.
الرد الذي قدمته الحكومة غير مقنع ولا يمكن قبوله، فجميع الدول تعاني من تحديات، فهل المطلوب أن ننتظر الأجواء المواتية والتي قد لا تأتي أبداً، كما أن التقرير أظهر مشكلات أخرى تتخطى التحول الإلكتروني، فأشار إلى تراجع في مؤشرات رأس المال البشري، أما الحديث عن الصحوة التي أتبعت الكورونا، فهو أمر يدخل في باب (المضحك المبكي)، فهل كنا ننتظر كارثة وطنية لنتحرك، وإذا كان الأمر كذلك، فمن سيحاسب على عدم قدرته على مواجهة التحديات في الفترة السابقة، ثم أننا نتحدث عن سباق، فهل تسعفنا كل المنصات التي أطلقت في تحسين موقعنا، أم أن ما اتخذته الدول الأخرى يجعلنا في نفس الموقع وربما نتراجع لأن الآخرين تحركوا بشكل أفضل وأسرع.
هل علينا أن ننتظر مديراً هندياً في شركة فنلندية يفاضل بين متقدم من الأردن وآخر من بوركينا فاسو لوظيفة في شركة تقنية، فيستبعد الأردني لأنه قادم من بلد ذات تصنيف متأخر في أحد المؤشرات المهمة للتكنولوجيا؟ هل علينا أن ننتظر؟
إلى متى سنظل نضيع الوقت في أروقة المحاصصة والمعارف؟ وإلى سنظل ننظر تحت أقدامنا والعالم كله يتطلع إلى الأمام؟