كتاب

ورق جدران

... ورق الجدران الذي تتزين به المنازل الفاخرة في عمان، حتماً لا يغير من حقيقة الجدار.. هو يجمل فقط، هو يجعل العين ترتاح قليلاً.. عند النظر، ولكن خلف هذا الورق يوجد.. الحديد والطوب والتراب..

وحين تضع البنت (المناكير) على أظافرها، حتماً لن يغير اللون من حقيقة الجسد.. و(الحومرة) لن تمنع الشفاه من الرعشة، حين يعصف تشرين بالوجه.. ويكون الهواء بارداً جداً.. هي أشياء مؤقتة، تزول عند النوم...

وحتى الصبغات التي يحاول فيها (مسن) أن يخفي اثر العمر والشيب، هي الأخرى مؤقتة.. كونها تزول وتنهار مع عبور الأيام، ويظن البعض أنها قد تغير في حقيقية العمر، وهي للعلم تفضح حالة التصابي أكثر.. من أن تغير في الملمح.

وفي الطب، ابتكر العلم ما يسمى (بالفينير) أو (ابتسامة هيوليود).. والتي من خلالها تستطيع طلاء السن أو تركيب إطار له.. يعطي بياضاً ناصعاً، ويعطي جمالاً للفم.. لكنك تعرف من النظرة الأولى للشخص، بأنه خضع لمجموعة من التغيرات في الفك الأعلى والأسفل.. وتعرف أنه كان يعاني من اختلالات في لون السن أو شكله.. وتعرف أيضاً أن هذا المظهر ليس حقيقياً، وإنما هو محاولات للبحث عن فك جميل فقط... يا ترى هل يدرك من أجروا هذه العمليات أن الناس تعرف الحقيقة؟

وحين يقوم أحدهم، برسم وشم لحورية بحر على يده.. فهل سيضيف هذا الأمر للجلد شيئا، هل سيغير من حقيقية اليد؟.. هل سيمنع تعرقها..، هل سيمنع الزجاج إن مر عليها.. أن يصنع جرحا غائرا فيها.. هل سيمنع القيود من أن تلف مع المعصم؟..

يقول أمل دنقل في قصيدة له:

أترى حين أفقأ عينيك..

وأثبت جوهرتين مكانهما

فهل ترى؟

هي أشياء لاتشترى..

العالم أنتج الكثير من الأشياء المزيفة، أنتج طلاء الأظافر، أنتج الصبغات وأنتج للشعر ألف لون... وللأسنان ألف طلاء... وصل الزيف في الأشياء، حد أنك تستطيع أن تغير لو العيون عبر عدسات لاصقة... وأن تغير شكل أنفك.. حتى البطيخ انقلبوا عليه، وجعلوه ينبت على شكل مربعات، والورد الجوري أنتجوا منه ملايين الوردات المزيفة المصنوعة من (البلاستيك)...

الشيء الوحيد الذي لم يزيف، هو (الهوية).. فأنت لاتستطيع أن تصبغ رأس الوطن.. أنت لاتستطيع أن تعتبره جداراً.. وتزينه بالورق اللاصق.. والوطن ليس.. بطيخة تتحكم في شكلها عبر العبث بالجينات... وتنتج منها أشكالا مربعة وأخرى مستطيلة... وهو ليس مسحة حومرة..تمر على شفاه صبية وتعطيها اللون الأحمر الحاد...

لهذا يكرهونك.. حينما يفشلون في أن ينتجوا منك جداراً، يلصق عليه الورق..

Abdelhadi18@yahoo.com