اسألوا العصافير

... قال لي أبي في الطفولة: علينا حفظ عناقيد (الدالية) في أكياس، وأنا جمعت كما هائلا من الأكياس وبدأت مع أبي بحفظ العناقيد فيها، لكني لم أعرف السبب...وتعجبت من الأمر، كل الجيران يفعلون ذلك...وبعضهم يقوم بحفظها في أكياس من الورق.

قررت أن أسأله عن السبب، فأخبرني بأن العصافير في الصباح، تأتي وتقوم بنقر حبات العنب...وقد يتلف العنقود كاملا، ولذلك لابد من لفها.....ثم قال لي: هل تعرف لماذا تزقزق العصافير في الصباح فقط ويعلو صوتها في هذا الوقت؟...قلت: لا...فأكمل الحديث: في الصباح تكون حبات العنب قد اعتراها بعض التخمر، ليس العنب وحده..وإنما أغلبية الفاكهة مثل التين والدراق...والعصافير لها دماغ صغير جدا بحجم حبات الحمص وأصغر، وحين تشرب من عصارة العنب أو الفاكهة تثمل..وبالتالي تبدأ بالزقزقة...قال لي أبي أيضا: زقزقة العصافير لا تعني الفرح ولا البهجة في الصباح، وإنما تعني الثمالة.

حين كبرت تبين لي أن ما قاله أبي يعتريه الكثير من الحقيقة، وأبي كان يتابع البرامج الوثائقية كثيرا ويعشقها ولا بد أنه التقط هذه المعلومات منها...

ألوف الشعراء تغنوا بزقزقات العصافير وفيروز غنب لها، والملايين من القصائد ذكرتها..والعشاق هاموا بها، لدرجة أن الأفلام العربية كلها لابد أن تحتوي على صوت العصافير في مشاهد الحب...وفي النهاية العصافير (ثملة)..

منذ (16) عاما، وأنا أصحو مبكرا، إما لشرب القهوة وإيصال الأولاد للمدرسة، وإما لكتابة المقال..والغريب أن العصافير لا تحط على شبابيك الجيران بقدر ما تحط على شبابيك منزلي..وأنا يوميا أتذكر قصة أبي وأضحك، وأقول في داخلي..في وطني تكفيني صداقة العصافير.

تعرفني العصافير...هل هي مجنونة مثلي؟ أم أننا نشترك في المهنة..هي تزقزق في الصباح، وأنا أزقزق في المقال....كنت أتمنى لو أدعوها إلى قهوة، ونشرب ونتبادل الحديث...حول أيهما أفضل العنب أم الدراق؟...كنت أتمنى لو تجلس على البلكونة معي، وأسألها أيضا..هل يوجد في (السوق الحرة) عنب...؟...هل يوجد زقزقات مستوردة وأخرى محلي.

صعاليك هذا الزمن أنا والعصافير فقط، هي تعرفني على الأقل....بالمقابل الكل أنكر وجهي وتفاصيلي...

الان موسم العنب، ولي جار يضع الأرز الناشف لها في الصباح كي يطعمها، بالمقابل أن أضع لها الكثير من حبات العنب...وهي لا تذهب للأرز تأتي إلى شباكي أنا...ونتسامر سويا فنحن نعرف بعضنا، منذ زمن بعيد منذ أن أخبرني أبي..عن كذبة تبنتها البشرية وهي أن العصافير تزقزق مبتهجة بالصباح..

والمشكلة أن الجيران يسألونني، لماذا تحط العصافير إلى شباك منزلك..أكثر من الشبابيك الأخرى...وأنا أرد عليهم: اسألوا العصافير.