كتاب

تيسير السبول وروايته..!

لماذا تيسير السبول الآن وهكذا بلا مناسبة؟ الحكاية ببساطة أنني في فراغ الوقت الكوروني وأنا أسلّي النفس بتنظيم مكتبتي وجدت أمامي روايته «أنت منذ اليوم'/١٩٦٨، فتحتُها وبدأت أقرأ فما فطنتُ إلى أنني واقف على قدميّ إلا عندما شعرت بالتعب فجلست ‏وواصلت القراءة باستمتاع حتى أنهيتها دفعة واحدة واستغربت أنني لم أقرأها من قبل، ربما لكثرة ما كُتب عنها في صحفنا عام ١٩٧٣بأقلام أصدقائه ورفاقه من الكتاب وهم يتسابقون للإعراب عن مشاعرهم نحوه وتحليل مدى قرب الرواية أو بعدها عن مأساة موته التراجيدي بالانتحار مبكراً..

ما أدهشني حقاً في هذه الرواية وقد مضى على صدورها أكثر من نصف قرن أنها تميّزت بأسلوب غير نمطي وأفكار اجتماعية مقتحِمة جعلها تضاهي روايات عربية حديثة صدرت بعدها بزمن طويل، وقد تبدت هذه الشجاعة الأدبية في سخريته الحادة من بعض ما زال عالقاً بمجتمعنا حتى الآن من مفاهيم يجري اجترارها والإصرار عليها بالوراثة وكأنها تقاليد مقدسة أو خصائص أردنية أصيلة، وهي لعمري شجاعة غير مسبوقة لم يتسنّ لها الظهور عند بعض الروائيين والروائيات في الأردن إلا مؤخراً، ولقد لاحظتُ كذلك انتصار أديبنا لقضية المرأة بغير تكلف في مواجهة الذكوريّة التاريخية قبل استفحالها بفتح الأبواب لزحف التعصب الديني المعروف! أما تضميناته السياسية حول الأشخاص والأحداث فلم تكن مجرد إشارات متوارية خشية العواقب بل أطلقها بصوت عالٍ حتى يسمعها كل من لم يتعود سماعها، ونَثَرَ مفرداتها في الضوء الساطع ليراها من عَشيَتْ أبصارهم جُبناً وانتهازيةً أو.. عمالةً، فلقد تمرد ليس فقط على الحزب وقياداته و انقلاباته وطقوسه وكراساته «المملة «والمعبّأة بالحقد على الآخرين حتى بات «ضرب الشعوبيين تسلية» ! بل زاد على ذلك كله غضبه العارم في انتقاد الأنظمة السياسية برمّتها بعد ما انكشف هزالها في زلزال الهزيمة عام ١٩٦٧.

كطبيب، أعرف ان للانتحار بعض الأسباب النفسية ‏وكنت قد أدركت خارج نطاق هذه المعرفة المهنية بوعي مبكر على ثقافات عديدة أنه في بعض الحالات جسارة ذاتية خارقة، لذلك احترمتُ واحترمَ العالم نماذج عديدة من «بطولات » الانتحار في مجالات حياتية مختلفة رغم الحكم المسبق عليها من قبل ‏الكثيرين حد الإدانة، وذلك ظلم مُهين..

وبعد.. لم أعرف تيسير السبول معرفة شخصية فهو ابن جيلٍ تالٍ، كما لم أطَّلع على إنتاجه الأدبي الآخر وكل ما كتبته في هذه العجالة إن هو إلا انعكاس لمشاعري العفويّة بعد قراءة روايته.. وحسْب!