«فقدت ثلاثة أطفال بهذا المرض القاسي وبقى لي طفل مصاب ارغب بحمايته ورعايته ليعيش حياة افضل ».
... بهذه الكلمات الموجعة عبرت أسماء أم صدام عن فقدانها لأطفالها نتيجة مرض التليف الكيسي.
ومنذ ايام قليلة توفي الشاب ليث الصراوي في أحد المستشفيات الحكومية في عمان منتظرا وذووه تأمين علاجه الغائب في المستشفى. حيث قضى ضحية الانتظار والاهمال.
تروي والدة ليث للرأي قائلة :«بقي ليث مدة 48 يوما في المستشفى،كانت حالته متعبة حيث اصيب بجرثومة وكانت هي المسبب في وفاته،بعد معاناة طويلة مع المرض. ولعدم توافر العلاجات الملائمة للقضاء على هذه الجرثومة في المستشفى، قمت بمناشدة أهل الخير لمساعدتي. فرحت لمساعدتهم بتوفير العلاج ولكن قدر الموت كان أسرع... ومات ليث»!
يعرف التليف الكيسي بأنه مرض وراثي ينتج عن جين متنح يصيب الغدد الافرازية في الجسم، ويؤثر على الرئة والكبد والبنكرياس والأمعاء والأعضاء التناسلية، وتحديداً في الخلايا التي تفرز المخاط والعرق والعصارات الهضمية فتصبح الافرازات كثيفة ودبقة وتبدأ بالتراكم والتجمع في القنوات مسبببة أعراض المرض.
ويسبب المرض خللا في البروتين الذي ينقل أيون الكلور (Chlorine ion)، عبر القنوات الموجودة في أغشية العديد من الخلايا في الجسم.
ونتيجة لذلك، يختل توازن السوائل في الخلايا، ما يسبب تراكم إفرازات لزجة في المسالك التنفسية والهضمية، الأمر الذي يصعّب عملها وأداء وظائفها.
وأمام هذه الأعراض مجتمعة يعاني كثير من المرضى وذووهم من أخطاء في تشخيص المرض حيث تتشابه أعراضه مع التهاب الرئة أو الأزمة التنفسية.
حيرة ومسلسل فحوصات
يروي محمود الاغواني والد الطفلة تقى :» منذ ما يقارب تسعة شهور وانا في حيرة من أمري، فبعد ظهور عدة اعراض على ابنتي، بدأ مسلسل الفحوصات سواء عند اطباء القطاع الخاص او في المستشفيات الحكومية ولغاية الآن لم احصل على تشخيص نهائي لحالة ابنتي فبعض الاطباء اخبروني انها تعاني من التليف الكيسي وآخرون ينفون اصابتها، ومنذ شهرين ولغاية الآن لم يستقر الوضع بي ولا بابنتي لهذا، فأين يكمن الحكم النهائي؟
وتستذكر أم اسماء بدايات المرض قائلة:» كانت البدايات الغامضة لهذا المرض في اسرتي منذ التسعينات،فقد رزقت بأول مولودين وكانا مصابين بالمرض وللأسف لم يكن يتوافر أنذاك أي علاج لهم حتى الدواء الاساسي،وتوفيت الابنة الاولى بعمر خمسة شهور تم تلاها أخوها بعمر 6 سنوات. بعد معاناة شديدة مع مرضهم الغامض انذاك».
وتتفاوت فعالية العلاج في مستشفيات المملكة والتعامل مع هذا المرض ما يسبب اختلافاً في التشخيص وطريقة العلاج وحتى صرف الادوية.
الاكتفاء بصرف الدواء
تقول غادة زكارنة وهي أم لشابة بعمر 18 عاما : «منذ اكتشاف المرض ولفترة الطفولة كانت ابنتي تتلقى العلاج في مستشفى الملكة رانيا للاطفال، والآن مع بلوغها هذا العمرأصبح علاجها يقتصر على مستشفى الزرقاء، واحيانا نلجأ لتحويلها لمستشفى الامير حمزة، ولنقصان او حتى غياب أطباء الاختصاص في هذا المرض، اكتفي بصرف العلاج من المسشتفى فقط.
وتذكر زكارنة الفترة الطويلة التي قضتها ابنتها في المستشفى لمدة 3 اشهر ما تسبب في دخول ابنتها حالة نفسية حادة جعلتها تتجنب المبيت في المستشفيات والاكتفاء بصرف الأدوية-إن وجدت-.
وتتمنى زكارنة ان يلقى المرضى عناية افضل بوجود اطباء اخصائيين على خبرة ودراية بهذا المرض.
أما والدة عبد الله والذي يبلغ من العمر 28 سنة،فتشكو توقف الاعفاء الطبي في مستشفى الجامعة الاردنية حيث توافر اطباء الاختصاص التنفسية والجهاز الهضمي هناك، ليعود للعلاج كما غيره من المرضى في مستشفيات محافظاتهم ليبقى المرضى في مسلسل عذاب مستمر عنوانه غياب الاختصاص ونقصان الأدوية وقلة الكوادر المدربة للتعامل مع هذا المرض.
ومن محافظة الكرك يشرح ابو جواد وهو والد لطفلين يعانيان التليف الكيسي من صعوبة علاج ابنيه في مستشفيات المحافظة، ما يضطره لمتابعة العلاج في مستشفى الملكة رانيا والمراجعة الشهرية وصرف الأدوية شهريا من عمان.
ويضيف «يلزم المريض طوال حياته علاجا اساسيا «الكريون» وهو مجموعة من انزيمات البنكرياس يصرف للمريض ليساعده على هضم الأطعمة بشكل رئيسي بسبب عدم كفاءة هذا العضو.
وفي كثير من الأشهر وبسبب انقطاع الدواء أو التبخيرات الضرورية من المستشفيات فإنه يضطر لشرائها على حسابه، حيث يبلغ سعر العلبة من الكريون 18 دينارا وتحتوي على ثلاثين حبة ، ويحتاج كل طفل من المرضى ل 600 حبة شهريا. وهو ما يشكل عبئا اضافيا بالإضافة لأدوية التبخيرة والفيتامينات.
ولتضاعف سعرها مقارنة مع الدول المجاورة فإنه يلجأ في كثير من الاحيان لشرائها من هذه الدول، مشكلا ذلك عبئا ماليا على عائلته يتراوح ما بين 200- 250 دينارا شهريا.
ولحاجة كل مريض لدخول المستشفى لفترات طويلة كل عام تتراوح ما بين اسبوع لثلاثة اسابيع لتكرار اصابتهم بالبكتيريا ،فهذا يجعل ابا جواد يتحمل مشاق الاقامة في عمان وما يرافقها من استئجار شقة ومتطلبات معيشية اضافية وكل ذلك سببه غياب التعامل السليم مع هذا المرض.
تخبط التشخيص
وما يزال أمر التشخيص بهذا المرض يلفه الكثير من الاجتهادات، وتروي أمل عباس قصتها مع ابنتها البالغة عشر سنوات اذ استمرت بعلاجها منذ اربع سنوات–حسب تقرير يفيد أنها تعاني من مرض التكيس في مستشفى الملك عبد الله المؤسس- وبعد هذه الفترة يخرج تقرير آخر بتشخيصٍ مختلف يحصر المرض عندها بأنه لا يتعدى أزمة تنفسية، لتترك هذه الطفلة علاج الكريون وتتعرض للاصابة بالسكري من النوع الأول، وعلى الرغم من اجراء فحص التعرق الذي يثبت الاصابة إلا انها ما زالت في حيرة وعذاب، بانتظار وعود من المستشفى لاستحداث جهاز قد يفيد بجزم الحالة?عندها.
وعلى عكس الحالة السابقة يروي جميل حجازين تجربته مع ابنته البالغة من العمر سنة ونصف التي اصيبت منذ الشهور الأولى لولادتها بمشاكل في الأمعاء ظهرت على شكل انسداد، وسرعان ما شخّص طبيب في احدى المستشفيات الخاصة حالتها بأنها تليف كيسي وبدأت بتناول دواء الكريون، لتزداد حالتها سوءاً، ما اضطر عائلتها لاجراء فحص جيني بكلفة قاربت ال1000 دينار، وأُرسِلت العينة الى الولايات المتحدة الاميركية لعدم توفر هذه الفحوصات في المملكة، والمفاجأة كانت انها غير مصابة بالمرض !
ويشرح إياد ذيابات تجربة شقيقه العشريني نذير والذي خضع لعلاج في احدى المستشفيات الألمانية على حساب وزارة الصحة الاردنية، حيث الأدوية المختلفة وأساليب العلاج الطبيعي الحديثة والتي تجعل نوعية الحياة عند المرضى جيدة وسلسة مع ارتفاع في معدل الاعمار هناك، اذ يصل المرضى لاعمار الخمسين وهم يتمتعون بحياة طبيعية، على عكس ما نراه هنا، من تعب يكابده المريض طوال فترة الحياة.
ويتمنى ذيابات أن يأتي الوقت وقد لاقى مرضى التليف الكيسي حقهم في علاج مريح في المملكة دون الحاجة للسفر للخارج على غرار مرضى الدول المتقدمة.
وتعزو استشارية الامراض التنفسية للأطفال د. رانيا ابو سمرة قلة الوعي ونقصان الخبرة الكافية للتعامل مع المرض لحداثة المرض، فقد اكتشفت أولى حالات التليف الكيسي في خمسينات القرن الماضي وكانت اكثر الاصابات في القارة الأوروبية، كما أنه يعد مرضاً معقداً يصيب أكثر من عضو في الجسم ولا يقتصر على الرئتين.
وتشرح د.ابو سمرة أكثر المشاكل التي يتعرض لها المريض وهو اصابته بجرثومة (السيداموناس) حيث يؤدي المخاط الناجم عن التليف الكيسي إلى احتمال الإصابة بأنواع حادة من عدوى الرئتين، التي يكون مصدرها غالبا هذا النوع من البكتيريا.
وهذا النوع من الجراثيم يلزمه انواع حديثة من المضادات الحيوية، إلا أن الأنواع المعتمدة في المستشفيات قليلة الفعالية حيث ان غلاء سعرها يحرم أغلب المرضى من الاستفادة منها مما يجعل المريض عرضة للإصابة المتكررة بها مع فترة اقامة أطول في المستشفى.
و لانخفاض وظائف الرئة عند المرضى يلزم استعمال ادوية عن طريق الاستنشاق تساعد على توسيع الممرات الهوائية للشعب الهوائية في الرئتين, مثل الفينتولين (سالبوتامول)، أو تفكيك المادة المخاطية، مثل: استنشاق ماء وملح مركز (3-7%) بواسطة جهاز التنفس، او استعمال دواء حديث يدعى «بولموزايم» يتم اخذه عن طريق الاستنشاق بواسطة جهاز التنفس ايضًا.لكن ولغاية الان لم يسجل هذا الدواء في البلاد لغلاء سعره.
كما تتوفر مضادات حيوية سهلة للاستعمال تؤخذ عن طريق الاستنشاق بفترة قصيرة مثل التوبي (توبراميتسين) واللكايستون (ازيتررونام) بالاضافة لانواع الفيتامينات الموصى بها وهي غير مسجلة ايضا.
وتضيف د. أبو سمرة أن دواء الكريون يعد جزءا بسيطا من العلاج الاساسي للمرضى وإن كان هذا النوع يشهد انقطاعات متكررة في المستشفيات برغم معقولية سعره بالمقارنة مع الأنواع الاخرى والتي اعتمدتها الدول المتقدمة للعلاج.
وتفسرابو سمرة الاخطاء الحاصلة في فحص التعرق حيث تعود لقدم الاجهزة في بعض المستشفيات والتي تعطي قراءات غير دقيقة تؤثر في تشخيص المرض من استبعاده.
ويقع على عاتق خبراء التغذية في المستشفيات حساب السعرات التي يحتاجها كل مريض بحسب وزنه بالإضافة لحساب جرعة دواء الكريون المناسبة مع اعطاء نصائح تغذوية خاصة لهم ولكن يبدو ان العناية التغذوية تبدو غائبة في اكثر المستشفيات بحسب ما اوردته د. أبو سمرة.
وبحسب اخصائية الامراض التنفسية في مستشفى الجامعة الاردنية د. ايناس زيادنة فإن أعراض التليف الكيسي وإن كانت غير متشابهة في جميع الحالات، إلا أن هنالك علامات مميزة تظهر لدى الأطفال المصابين بالتليف الكيسي ومنها: انسداد في الأمعاء الدقيقة عند الولادة، عرق شديد الملوحة، أو ملوحة في الجلد، الاسهال،اضطرابات في النمو ونقصان في الوزن أكثر من غيره من الرضع.بالإضافة لمشاكل التنفس،و ظهور تلوثات في الرئتين، والسعال المستمر وسماع صفير في الرئتين.
ويتطور هذا المرض ليؤدي الى أعراض سريرية ومضاعفات في الجهاز التنفسي كتوسع القصبات وهي حالة مرضية تُصيب مجرى التنفس، ما يزيد من صعوبة نقل الهواء من الرئتين وإليهما، والعدوى المزمنة وخروج الدم مع السعال و«استرواح» الصدر وتحدث هذه الحالة المرضية، التي يتجمع فيها الهواء في الحيز الذي يفصل الرئتين عن جدار الصدر، بشكل أكثر شيوعًا لدى كبار السن المصابين، ويمكن أن يُسبب استرواح الصدر حدوث ألم الصدر وعسر التنفس.بالاضافة لتلف الرئتين والفشل التنفسي على المدى البعيد.
أما مضاعفات الجهاز الهضمي فتشمل نقص التغذية وتحدث هذه الحالة المرضية، التي يتجمع فيها الهواء في الحيز الذي يفصل الرئتين عن جدار الصدر، بشكل أكثر شيوعًا لدى كبار السن المصابين، ويمكن أن يُسبب استرواح الصدر حدوث ألم الصدر وعسر التنفس.
يمكن أن يسد المخاط السميك القنوات التي تحمل إنزيمات الهضم من البنكرياس إلى الأمعاء، ودون هذه الإنزيمات، لا يتمكن الجسم من امتصاص البروتينات أو الدهون أو الفيتامينات الذائبة بالدهون.
كما يتسبب مرض التليف الكيسي بحدوث مرض السكري وانسداد القناة الصفراوية وغيرها من المضاعفات المتعددة.
وبحسب زيادنة فإن هذا المرض ذو تأثير على الجهاز التناسلي حيث يعاني جميع الرجال المصابين بالتليف الكيسي تقريبًا من العقم، وتكون الفتيات المصابات أقل خصوبة من غيرهن، وهناك مضاعفات اخرى تتمثل بحدوث هشاشة العظام وذلك بسبب عدم امتصاص الغذاء بشكل سليم.
يقول الرئيس التنفيذي لجمعية أصدقاء التليف الكيسي خالد الفراية وهو والد لابنتين مصابتين بالتليف الكيسي » يفترض أن علاج هذا المرض مشمول بالتأمين الصحي غير ان هذه التغطية تبدو شكلية وغير فعّالة في كثير من الاحيان، فنفقات علاجه تدفعها الدولة لأن العلاج ان توفر في الصيدليات سواء بالتأمين او بغيره مكلف جدا وتصل كلفة علبة الدواء من الانزيمات الناقصة الى ما يقرب ال 25 -30 دينارا للعبوة الواحدة التي تحوي مئة حبة والمريض يتناول هذا الدواء مع كل وجبة ويحتاج حسب عمره ووزنه من علبة الى خمس علب شهريا بالاضافة الى العلاج?ت الضرورية الاخرى بسبب قصور التنفس الذي يصيب المريض وتليف الرئة والذي يؤدي الى تكرر الدخولات للمستشفيات بسبب الاسهلات والجفاف والتهابات الرئة المتكررة ونقص المناعة عند مرضى التليف الكيسي».
و بحسب الفراية :«فإن افضل الحلول تكون بانشاء مركز متخصص للمرضى يشمل التخصصات الصدرية والجهاز الهضمي والعلاج الطبيعي وذلك باتباع خطط علاج حديثة وعمل برامج ثابتة للمرضى للعلاج الطبيعي وغيرها.ومؤخرا تم افتتاح وحدة للتليف الكيسي في مستشفى الكرك الحكومي والتي نطمح ان تكون موجودة في كافة مستشفيات المحافظات لغاية انشاء المركز المتخصص.
وتشرح رئيسة جمعية اصدقاء التليف الكيسي بثينة الصعوب بعضا من التحديات التي تواجه المرضى، قائلة: «تفتقر وزارة الصحة لقاعدة بيانات توضح اعداد المرضى وبياناتهم ، ناهيك عن الحالات غير المكتشفة نتيجة قلة الوعي بهذا المرض.
وتذكر اهمية ادراج الفحوصات الجينية والتي غالبا ما تكون خارج التأمين الصحي.
بالإضافة لضرورة ادراج فحص التليف الكيسي ضمن البرنامج الوطني لفحص حديثي الولادة ، لأن التعرف على المرض منذ الطفولة المبكرة وبدء العلاج بالشكل السليم يضمن حياة مريحة للمريض ويحد من تفاقم أعراضه على المدى البعيد.
وتضيف الصعوب :» يلزم لمريض التليف الكيسي استخدام اجهزة لازالة البلغم وهي فردية الاستعمال، وعبارة عن تبخيرة تسمح للدواء بالتغلغل داخل الرئة وتتفاوت اسعاره بين 200-400 دينار.
وهناك أجهزة اخرى تساعد على السعال وخروج البلغم وهي غير متوافرة في المستشفيات لغلاء سعرها والذي يصل ل 6000 دينار وتأتي على شكل سترة يلبسها المريض حيث تقوم بعمل ذبذبات واهتزازات تؤدي للسعال ومن ثم اخراج البلغم.، أما اساليب العلاج الطبيعي المعتمدة في المستشفيات فهي تقليدية لا تكفي للمريض بل تزيد من معاناته.
وتدعو الصعوب الجهات الرسمية المختصة إلى المسارعة لحل هذه القضايا العالقة وايجاد الآليات اللازمة والضرورية لتقديم الخدمة لهؤلاء المرضى ومتابعة حالتهم والاهتمام بأحوالهم».
ويضيف الصعوب :«المشكلة تكمن في غياب العلاجات الرئيسية وحليب الاطفال الخاص لهذه الحالات، فالمرضى يعانون الامرّين للحصول على علاجاتهم سواء الانزيمات او التبخيرات او عداها شهرا بعد شهر واسبوعا تلو اسبوع»
وعدا عن المرض وآلامه ومضاعفاته فإن المرضى وذويهم يعانون معاناة مضاعفة، فهم يقفون وعائلاتهم وحيدين في مواجهة المرض دون بيئة نفسية واجتماعية مساندة لهم وذلك بحسب أخصائية علم الاجتماع الطبي د. شروق أبو حمور.
وتشدد د. أبو حمور على أهمية التوعية بهذا المرض في المدارس، والجامعات وأهمية الدعم النفسي وخاصة للأطفال حيث يسبب خضوعهم للعلاج الطويل بكميات كبيرة يوميا، وما يصاحب هذا المرض من تكرار الغياب عن المدرسة لدخول المستشفى من الشعور بالاختلاف عن الزملاء مما يزيد من ألمهم النفسي.
وتذكر اخصائية التغذية العلاجية في احدى المستشفيات الخاصة ربى القاضي تحديا آخر يواجه المرضى وهو السعي من أجل زيادة الوزن لأن مرض التليف يسبب نقصا حادا في الوزن، ما يحتم على الأهل اخضاع ابنائهم لنظام غذائي غني بالسعرات الحرارية والدهون ويحتاج المريض لانواع متعددة من المكملات الغذائية التي لا تتوافر في كثير من الاحيان في المستشفيات ليضطر بعض الاهل وبحسب قدرتهم المالية على شرائها.
وتضيف القاضي: «وفي حال كان المريض مصابًا بالسكري المرتبط بالتليف الكيسي فإن الحصول على خمسة آلاف سعرة حرارية يوميًا ليس سوى ضرب من المستحيل، ولاسيما مع غياب القدرة على توفير المكملات الغذائية المناسبة وصعوبة توفيرها من الخارج»
من ناحيتها تقول د.سماح عوض عضو لجنة دراسة مشكلة التليف الكيسي في وزارة الصحة قائلة: لأهمية هذا المرض ارتأت وزارة الصحة بتشكيل هذه اللجنة الجديدة للوقوف على واقع هذا المرض والمصابين، حيث أوصت هذه اللجنة بتوفير الأدوية الحديثة بعد تسجيلها من قبل المؤسسة العامة للغذاء والدواء. كما أوصت بانشاء مراكز متخصصة يتعاون فيها فريق كامل من أخصائي الامراض الصدرية والجهاز الهضمي وأطباء الاطفال وأخصائيي العلاج النفسي والطبيعي.
أما من ناحية مشاكل التشخيص فتذكر د. عوض أن الاجهزة المتوافرة في المستشفيات لا تعتمد الطريقة المثلى للتشخيص، فهي أقل دقة وكفاءة، وهناك أجهزة جديدة لفحص التعرق بصدد الوصول عن طريق وزارة الصحة.
حقوق واضحة
ويذهب الخبير بحقوق الطفل والوقاية من الإهمال والعنف الدكتور هاني جهشان أنه لا يوجد علاج يتعامل مع الجين المعيب لداء التليف الكيسي، لكن العلاج يوجه عادة لتخفيف الأعراض ويقلل من المضاعفات، وقد يكون هناك فائدة من وصف المكملات الغذائية والفيتامينات وأنزيمات البنكرياس.
و يوضح جهشان : «أنه وبحسب المادة 3 من قانون الصحة العامة رقم 47 لعام 2008، فإن الوزارة مسؤولة عن جميع الشؤون الصحية في المملكة وتشمل مهامها بصورة خاصة:
أ -الحفاظ على الصحة العامة بتقديم الخدمات الصحية الوقائية والعلاجية والرقابية.
ب- تنظيم الخدمات الصحية المقدمة من القطاعين العام والخاص والإشراف عليها.
ج-توفير التأمين الصحي للمواطنين في حدود الإمكانات المتوافرة لديها.
كما أن المادة 18من نظام التأمين الصحي المدني وتعديلاته رقم (83) لسنة 2004 «تحدد بمقتضى تعليمات يصدرها مجلس الوزراء بناء على تنسيب الوزير أسس وشروط عدم استيفاء أجورالمعالجة في المستشفى أو المركز لاي من الأشخاص أو الحالات ومنها مرض التليف الكيسي».
ولأن النسبة الأكبر من المصابين هي من فئة الأطفال فقد توجب حمايتهم وضمان بيئة ملائمة لا تحرمهم تعليمهم بسبب أعراض هذا المرض القاسي.حيث تبين المادة 24 من اتفاقية حقوق الطفل ما يلي:
1. تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في التمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه وبحقه في مرافق علاج الأمراض وإعادة التأهيل الصحي. وتبذل الدول الأطراف قصارى جهدها لتضمن ألا يحرم أي طفل من حقه في الحصول على خدمات الرعاية الصحية هذه.
فالرعاية الطبية والتمريضية لمرضى التليف الكيسي تحتاج لموارد بشرية مدربة وموارد مالية وهذه مكلفة بشكل باهظ الثمن، ويتوقع أن يتم توفير العلاج من قبل وزارة الصحة بمراكز متخصصة.
ويضيف جهشان :«إن الحق بالصحة والحق بالحياة يتحققان بتوفير الحكومة العلاج بالمساواة لجميع الأطفال، وعليه إذا تم الإخفاق بتوفير الرعاية الطبية لمرضى التليف الكيسي مقارنة مع الأمراض الأخرى أو إذا تم حجب الخدمات الطبية عنهم بادعاء الكلفة العالية فإن ذلك يشكل انتهاكا خطيرا بالحق بالحياة والحق بالصحة والحق بالعلاج بالمساواة».
» كما أن الحق بالتأمين الصحي مسؤولية على وزارة الصحة يجب أن توفر لمرضى التليف الكيسي لخطورة المرض وللعواقب المهددة للحياة الطبيعية للطفل. ويجب أن يتضمن هذا التأمين النفاذ للمراكز الطبية المتخصصة تلقائيا بسهولة ويسر دون العوائق الإدارية والبيروقراطية بإجراءات التحويل والحصول على التقارير الطبية والإعفاءات المالية.
هنا يجب التوضيح أن تأمين الأطفال الحالي لمن هم اقل من 6سنوات لا يضمن هذا الحقوق، ولا يزال هناك بيروقراطية بالحصول على الإعفاءات لغير المؤمنين.
أما فيما يتعلق بالحق بالتعليم فيوضحها د. جهشان قائلا:» عند توفير الرعاية الطبية والتمريضية والاجتماعية يتوقع من أغلب أطفال التليف الكيسي أن يكونوا قادرين على الالتحاق بالمدرسة بشكل طبيعي، وهذا قائم أولا على توفير الرعاية الجيدة في المنزل وفي المركز الطبي أو المستشفى، وثانيا على تعاون المعلمين وإدارة المدرسة لتوفير الخدمات الخاصة برعايتهم وحمايتهم.
مرضى يتنفسون الأمل ، وعبر رئاتهم المتعبة يصارعون الحياة وبصعوبةٍ يستنشقون حبات الهواء. يعانون وذووهم بصمت ، ويكادحون قساوة هذا المرض رغبة بحياة مريحة كغيرهم .. هؤلاء هم مرضى التليف الكيسي.