كتاب

كنت سفيرا في اليمن (٢٢)

لم يستطع رئيس الوزراء في حينه أن يتخذ قراراً بالنقل دون الاستعانة بجهات رسمية، وأنا أعلم بعضاً مما دار حول الموضوع، من خلال بعض الأصدقاء، وصدر قرار النقل وانا كنت في عمّان، فمررت بـ «الخارجية» وكان وزير الدولة خالد المدادحة–الذي استغرب الأمر، وقال كنت قد نسّبت بك سفيراً في قطر، وكنت مضطراً للرجوع الى اليمن، لترتيب الأمور، واعتبرت الأمر عادياً، مع أنه ليس النقل، وإنما الطريقة التي تم بها، يدل على غيظ وتصفية حسابات، متناسين كل الجهود التي بذلت، والتي كانت فيها السفارة الأردنية في صنعاء رقماً يشار إليه بالبنان، وحققنا إنجازاً سياسياً غير مسبوق في ظروف صعبة للغاية.

تسابق السفراء على دعوتي للوداع، وبعضهم لم أتمكن من تلبية دعوته إلا عصراً، بالإضافة إلى دعوة عميد السلك وكان في حينها سفير السعودية، وكرمتني أولاً وزارة الخارجية اليمنية وكان السفير الدكتور عبدالرحمن الإرياني، ثم كرمني رئيس الجمهورية بوسام لم يأخذه سفير آخر وهو وسام الوحدة - وهو الوسام المستحدث للوحدة اليمنية والتي كنت واحداً ممن نالوا شرف السعي الى تثبيتها إيماناً مني بأنه إذا كانت وحدة الأقطار العربية أمنية عشناها صغاراً، فما أقل أن نحافظ على وحدة القطر الواحد، وأطلق علّي عبارة (البطل القومي) وألبسني الوسام وأخذنا الصور التذكارية التي لا زالت موجودة لكّل هذه المناسبات، واعتبرت الأمر عادّياً لإنني معتادا على مواجهة الأحداث بكل رحابة صدر، وكانت المدة التي قضيتها أسبوعين وهي في الأحوال العادية ليست كافية.

جئت إلى عماّن، وسجلّت مباشرتي العمل في «الخارجية»، وهنا أشير إلى مواقف لم أتوقعها، ولكنها طبيعة البشر، فبقدر ما كنت مخلصاً في العلاقة بقدر ما وجدت بالعكس، وأبرز هذه المواقف موقف التيار السياسي الذي كنت محسوباً عليه، والذي تطابق تماماً مع موقف الحكومة، في حين أنهم كانوا يتسابقون إلى دعوتي والسماع مني واستشارتي، وأنا على رأس عملي، وذلك حول الأحداث التي كانت تجري في اليمن وكنت على اطلاع كامل عليها، فقط شخص واحد كان له موقف رجولي أذكره له هو الدكتور عبد الله العكايلة، والذي قابل رئيس الحكومة في حينه، وطبعاً لم يقتنع بأي سبب مما ساقوه له، ولكنه وصل إلى اتفاق أن أبقى على رأس عملي مع وجود رئيس الحكومة نفسه، ولكن هذا الاتفاق سرعان ما تلاشى بعد تغير الحكومة، وتمت الإحالة على التقاعد في زمن حكومة الدكتور عبد السلام المجالي، كان عمري تسع وأربعون سنة وخدمتي لم تصل الثلاثين عاماً، وللحديث بقية.