ثقافة وفنون

(دو ري مي) للشاعر أحمد الأخرس.. إعادة تشكيل الحياة بالموسيقى

اختار الشاعر أحمد الأخرس لمجموعته الصادرة حديثاً عن «الآن ناشرون وموزعون»، عنوانا من السلّم الموسيقي «دو ري مي»، كمفتاح أو عتبة تتصل بهارموني النص الإيقاعي.

ولكن الشاعر في اختياره هذا لا يتوقف عند المقابلة الصوتية للتونة الموسيقية وتجلياتها في القصيدة، وإنما يقايسها على المشاهدات الحياتية التي تملأ الحياة بالمتضادات التي تدفع بالكثير من الأسئلة التي تتصل بالوجود، ومن هنا فإن قصيدة الشاعر تنطوي على جملة من الأسئلة التي تلامس الكون والكائنات في مصائرها منذ ولادتها حتى فنائها.

ويؤمن الشاعر في قصائد المجموعة التي تقع في 100 صفحة من القطع الوسط بوحدة الوجود التي يقول بها المتصوفة، بل يستعير الكثير من المفردات التي يتداولها المتصوفة، ومنها الحلول والعرفان، وهي رؤية تقوم على معرفة الحقيقة بدلالة صورة العالم المخلوق، ولكن الشاعر في مجموعته التي تشتمل على ست قصائد مطولة يذهب إلى تلك الحقيقة برصد إيقاع هارموني.

يركز الشاعر في غالبية قصائده على المصير الإنساني من خلال المشهد البصري والصورة الحسية المتحركة التي تقع بين التجلي والتخفي، والبداية والنهاية التي تجعل الكائن حبيس مصيره.

«أنا عابرٌ في الماء، شأني شأنُ ما في الماءِ منّي

الحزنُ لي، وأنا لحزنِ الأنبياءِ نذرتُ حزني!

النّفّرِيُّ يقولُ لي: قِف كي ترى معنايَ عنّي.

منذُ اتّساعِ رؤايَ حتّى ماورائيَ.. لم أقُلني».

وتحمل عناوين القصائد دلالات تتصل برحلة البحث المعرفية التي يكابدها الشاعر/ الإنسان، فهي تتنوع بين «أنا»، و«الجوكر»، و«سيرة اللاجئ الأخير»، و«أنثى النّاي»، و«الخزان»، و«دو ري مي» التي تقع في ثلاث حركات.

وفي قصيدة «أنا»، يرسم الشاعر صوة الذات المكابدة منذ الولادة والتي تواجه المستحيل، ولا تستسلم والتي تعيد تشكيل الكون بحلمها.

«رأيتُ في ما رأيتُ

أنّي احترقتُ

حتّى خُلِقتُ منّي

وأنَّني كنتُ كلَّ شيءٍ

كأيِّ شيءٍ..

ولَم أكُنّي!

وأنَّني صورةُ المرايا

إِذا حَملنَ الحياةَ عنّي».

وفي «الجوكر» يستعير الشخصية الهامشية في الحياة التي تحمل قناعا لبث السرور عند الناس ولكنها في الوقت نفسه تحمل حزنا يشبه البكاء.

«أنا الرجلُّ المتشككُ في كلِّ سرٍّ وشاهُ

أنا الرجلُ المتيقنُ من كلِّ وجهٍ رآهُ

ومن ساحلِ الأطلسيِّ أمدُّ ذراعي

أعانقُ هذي البلادَ وأضحكُ

(لكنَّهُ ضَحِكٌ كالبُكا..)».

وفي «الخزّان» يعيد سرد رواية «رجال تحت الشمس» لغسان كنفاني بأصوات الغائبين في لحظاتهم الأخيرة وأحلامهم وهواجسهم، ليبرز صوت الشاعر قائلا:

«أمّا أنا فأجبتُ:

ما كانَ لي أن تُشتَرى

ثقتي بأشباهِ الرِّجال..!».

ويربط الشاعر بين أسئلة الذات وأسئلة الهوية وبين الشكل والدلالة في الأكتوفات أو المسافات الموسيقية بمعنى التنغيمات التي تعود للنقطة الأولى في السلم الموسيقي موائما بين اختياره للشكل الشعري والواقع.

«أنا سُلَّمُ الكلماتِ، بينَ قيامتَينِ فتحتُ قبرا

كي يصعدَ المعنى على أكتافيَ السَّمراءِ حُرّا

الغارقونَ بشِبرِ ضَوءٍ.. لَم يُصَلّوا فيهِ سطرا!

ما أدركوا عجزاً سَما، إِلّا دنوتُ إِليهِ صدرا!».

يشار إلى أن الشاعر أحمد الأخرس ولد في دبي عام 1993. حاصل على درجة البكالوريوس في الهندسة الميكانيكية من الجامعة الأميركية في الشارقة، حاز المركز الأول عن فئة الشعر في جائزة أفرابيا للشباب العربي والأفريقي عام 2017، وجائزة ناجي نعمان العالمية للإبداع عام 2017، مثّل الأردن في عدد من المسابقات والمناسبات الثقافية الدولية، منها: «أمير الشعراء» عام 2013 و«جائزة كتارا لشاعر الرسول» عام 2017. صدر له سابقا مجموعة شعرية بعنوان «شجر الملامح»، عن دائرة الثقافة بالشارقة (2017).