الواقع التاريخي لا الأمر الواقع
10:45 21-12-2019
آخر تعديل :
السبت
بات واضحاً للجميع أن الكيان الصهيوني لم يكن جاداً بالنسبة لموضوع السلام على المستويين الفلسطيني والعربي، وإن كان بعض ساسته قد سعوا بهذا الاتجاه في بعض الفترات التي تُعدّ الاستثناء لا القاعدة.
فكما تُخبرنا الشواهد والأحداث، واحدة تلو الأخرى، فلقد كان الكيان منذ البداية يُخطط للاستيلاء والاحتلال والاستيطان؛ وحتى عندما كان يدعو للسلم و'يفاوض» كان يستغلّ ذلك بهدف فرض سياسات «الأمر الواقع».
وكما يُنبؤنا العديد من الدارسين، فقد اتخذت سياسة الأمر الواقع بعدين أساسيين: الأول ويتمثل في ابتلاع الأراضي، إما بالاحتلال العسكري أو الضّم أو المصادرة تحت العديد من الذرائع وبالعديد من الوسائل أو بالاستيطان اللاشرعي الذي ازدادت وتيرته بعد اتفاق أوسلو المشؤوم.
والثاني ويتمثل في تهجير السكان بشتّى الطرق، والإتيان بمهاجرين يهود من شتى بقاع العالم بهدف إحلالهم محل أصحاب الأرض الشرعيين.
إذاً، إضافة إلى الخيار العدواني العسكري، بما فيه البعد التخريبي الإرهابي، الذي تبناه الكيان منذ البداية لفرض وجوده عنوة على الأرض، اتبع الكيان في فرضه لسياسة الأمر الواقع معركة لا تقلّ شراسة على بعدين عدوانيين اثنين: البعد الجغرافي والبعد الديموغرافي.
جغرافياً، كان الحصول على الأرض ومزيد منها هو الهدف؛ وديموغرافياً، كان ترحيل السكان هو الهدف الرديف.
هذه سياسة الأمر الواقع التي لجأ إليها الكيان منذ البداية، وما زال يلجأ. وكل ما يقوم به على المستويين التكتيكي والاستراتيجي يصب في هذا الاتجاه.
كيف يجابه الفلسطينيون والعرب هذه السياسة؟
بطرق وأساليب كثيرة، إذ يمكنهم تبني عدة سياسات مضادة، يمكنها أن تكون شعارات مضادة لشعار «الأمر الواقع'؛ فمثلما هم يُوظّفون اللغة لأهدافهم اللاإنسانية الشريرة، يمكننا أن نُوظف اللغة لأهدافنا الإنسانية النقية النبيلة.
يمكننا رفع عدة شعارات، والتمسك بها تمسكاً لا هوادة فيه: «الحق»، «العادل»، «الأصل»، بيد أن شعار «الواقع التاريخي» أو «الحق التاريخي» قد يكون الأهم.
فإذا كان ما يقوم به الكيان هو القفز عن الحقائق التاريخية والجغرافية والقانونية، ومحاولة تخطّيها عن طريق خلق «واقع» جديد يقوم على السلب والنهب والابتزاز والاحتلال والاغتصاب، فعلى الفلسطينيين والعرب، التمسك بما كان قائماُ تاريخياً قبل ذلك كلّه.
واقعهم افتراضي، وواقعنا حقيقي.
فالتاريخ لا يُلغى والماضي لا يتلاشى والحقّ لا يُصادر والعدل لا يُنتهك.
التاريخ ليس علبة عصير أو علبة دواء ينتهي مفعوله بانتهاء تاريخ صلاحيته.
وما يساعدنا في التمسك بحقوقنا ليس فقط ذاكرتنا التاريخية الشفوية والمكتوبة، بل الوثائق التاريخية وعلم الجغرافيا وعلم السياسة، والقانون الدولي والاتفاقيات والمواثيق والعهود، وإيمان شعبنا بحقه التاريخي.
هي معركة شد حبل بيننا وبين الكيان، ولا بد لنا من الشد بكل عزم وحزم وثقة وتصميم، لكي نعيد الأمور إلى نصابها، إلى الأساسيات والقواعد، لا إلى التغييرات والشواهد المزيفة على الواقع.
لنتمسك بالحق التاريخي، مقابل تمسّكهم «بالأمر الواقع» الذي لا يمت للواقع بشيء. وكما نقول: «لا يموت حق وراءه مطالب».