د. عبدالرحمن امين البلبيسي
رداً على المخاوف السائدة حول حقيقة أرقام مديونية الأردن ونسبتها إلى الناتج المحلي الإجمالي وفيما إذا كانت قد تجاوزت الحدود المسموح بها حسب المعايير العالمية وقانون الدين العام وما هي تبعات ارتفاع الدين العام على الاقتصاد الأردني والمواطنين، كان من الضروري عمل التوضيح التالي:-
تشير الأرقام المعلنة من البنك المركزي الأردني وهي تطابق تلك المعلنة من قبل البنك الدولي ومصادر اخرى موثوقة أن حجم الدين العام للأردن كما في 30-8-2019 هو 42 مليار دولار أي ما يعادل 29.8 مليار دينار منها 17.4 مليار مديونية داخلية و 12.4 مليار مديونية خارجية. وبذلك يشكل مجموع الدين العام ما نسبته حوالي 97% من الناتج المحلي الأجمالي للأردن.
أكدت دراسات البنك الدولي أن هذه النسبة يجب أن لا تتجاوز 77% لفترات طويلة للدول المتقدمة، وأن لا تزيد عن 64% للدول النامية والناشئة، وإذا ما زادت عن ذلك فسوف تؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي لتلك الدول بشكل ملحوظ.
و من جهة اخرى يجب عدم جمع رقم المديونية العامة مع التسهيلات المصرفية للقطاع الخاص والتفريق ما بين الدين العام للدولة ومديونية القطاع الخاص فهما شيئان مختلفان، وقد تكون نسبة تسهيلات القطاع الخاص مؤشراً إيجابياً على الاستثمار والتشغيل للودائع المتراكمة لدى الجهاز المصرفي وحافزا للنمو الاقتصادي.
تبلغ نسبة ديون القطاع الخاص إلى الناتج المحلي الإجمالي في الأردن حوالي 119%، و تتفاوت هذه النسبة عبر دول العالم، ويبلغ متوسطها 172% على مستوى العالم حسب مصادر صندوق النقد الدولي، أما بالنسبة للوطن العربي فهي 75% ولدول منطقة اليورو تبلغ 144% وبلغت لدول وسط أوروبا والبلطيق 62% نلاحظ من تلك الأرقام أن النسبة ترتفع مع مستوى تطور الدولة الصناعي فهي مرتفعة أكثر لدى الدول المتقدمة.
بالعودة إلى الدين العام للأردن فإن الحكومات الأردنية المتعاقبة هي المسؤول المباشر عن قرار الاستدانة وهي المسؤولة عن تراكم المديونية الخارجية والداخلية، وذلك بناء على رؤية الحكومة في كيفية تمويل نفقاتها الجارية والرأسمالية في موازناتها السنوية وبما يتوافق مع قانون الدين العام رقم 26 لعام 2001 وتعديلاته، ويوجد لجنة من وزارة المالية ووزارة التخطيط والبنك المركزي تتولى إدارة شؤون الدين العام وهي مخولة بموجب ذلك القانون بالاقتراض ودون الرجوع إلى مجلس النواب، وذلك لأهداف محددة في المادة 10 من القانون تقتصر على 5 غايات هي: تمويل عجز موازنة الحكومة، دعم ميزان المدفوعات، تمويل المشاريع الوطنية، مواجهة الطوارئ والكوارث، إعادة هيكلة المديونية.
إلا ان لمجلس النواب دوراً في إقرار الموازنة العامة التي تحمل في طياتها مقدار الاقتراض المخطط للحكومة. هذا وتجدر الإشارة أن الحكومة قد تجاوزت الحد الأعلى المسموح به لنسبة الدين العام في القانون والبالغة 60% من الناتج المحلي الأجمالي.
وحول كيفية تراكم المديونية منذ عشرين عاماً إلى ما هي عليه الآن، فلقد بلغت مديونية الأردن حوالي 6.5 مليار دينار عام 1999، ثم ارتفعت بشكل تدريجي إلى 28.4 مليار دينار في منتصف عام 2019 الحالي، أي تضاعفت حوالي خمس مرات خلال العشرين سنة الماضية، وقد رافق ذلك الارتفاع قفزات كبيرة في حجم المديونية نمت فيها المديونية بمعدلات كبيرة مثل الأعوام: 2002 بمعدل 10%، وعام 2007 بمعدل 10%، وفي الأعوام من 2009 إلى 2013 نمت المديونية بمعدلات فاقت الـ 15% بلغ أعلاها عام 2012 بـ حوالي 21%. و قد ارتفعت المديونية خلال آخر سنتين بحوالي 1.36 مليار دينار.
استمرار ارتفاع الدين العام سوف يؤدي إلى مزيد من التباطؤ الاقتصادي ومزيد من الاعباء لخدمة الدين سنوياً، ونسب المديونية فاقت النسب العالمية والنسبة المسموح بها في قانون الدين العام، ويجب العمل على تقليص الدين العام ليعود إلى الحدود المقبولة ويخفف العبء على موازنة الحكومة وعلى الانكماش الاقتصادي، من خلال وضع موازنات ذات عجز صفري، ورفع كفاءة لجان العطاءات لتقليل النفقات، وتطوير كفاءة أجهزة مكافحة الفساد، وتطوير إدارة الموازنة العامة من خلال استخدام موازنة البرامج و الاداء التي حسنت الأداء المالي لكثير من دول العالم، والتي أقرها قانون تنظيم الموازنة العامة في الأردن عام 2008 ولم تطبق حتى الآن.
محاضر سابق قسم التمويل الجامعة الأردنية