قرأنا قبل أيام أن مجلس النواب الأميركي أعرب عن معارضته لسياسات الإدارة الأميركية الحالية إزاء القضية الفلسطينية. فقد أصدر المجلس قراراً «يساند التعامل مع الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بناءً على مبدأ حلّ الدولتين» مُشدداً على أن انحياز إدارة ترمب التام إلى «الدولة العبرية» أمر مرفوض.
وفي التفاصيل نجد أن 226 نائباً صوتوا لصالح القرار الذي ينص على أن «حلّ الدولتين هو السبيل الوحيد لضمان بقاء إسرائيل وحصول الفلسطينيين على حقهم المشروع في إقامة دولتهم»، مقابل 188 عارضوا القرار.
ومع أن القرار وصف بأنه «غير ملزم» وأنه «رمزي» فإنه يُشير في ذات الوقت إلى أن الموقف السياسي الأميركي بعمومه تجاه القضية الفلسطينية لا ينسجم ولا يتناغم كلياً مع موقف الإدارة الأميركية الحالية الأكثر سوءاً وضرراً.
من المهم في أمور كهذه أن ننظر إلى التفاصيل الدقيقة، وليس إلى العموميات. والمتمعن فيما يجري في أميركا الآن، يجد أن إدارتها الحالية هي الأكثر تأثراً بالمواقف الصهيونية المتشددة الداعمة للكيان الصهيوني، وأن الخطوات السلبية والهدمية التي اتخذتها، كنقل سفارتها إلى القدس الغربية والاعتراف بضم إسرائيل للجولان المحتل ووقف الدعم عن «الأونروا»، هي خطوات لم تتخذها أية إدارة أميركية من قبل.
وهذا الأمر يشي بخلافات واختلافات جوهرية في المنظومة السياسية الأميركية، إذ من الخطأ التسليم بالاعتقاد السائد عند البعض، بأن كل الأحزاب الأميركية وكل الأذرع السياسية وكل الإدارات تتخذ موقفاً موحداً من الكيان الصهيوني.
فموقف مجلس النواب المشار إليه أعلاه يختلف عن موقف مجلس الشيوخ، وموقف إدارة أوباما الديمقراطية يختلف عن موقف إدارة ترمب الجمهورية، لا بل إن موقف العديد من الجمهوريين أنفسهم يختلف عن موقف إدارة ترمب الأكثر مغالاة وصهيونية.
وتاريخ السياسة الأميركية يُعزز المبدأ ذاته، فإدارة جيمي كارتر في السبعينيات من القرن الماضي وإدارة بوش الأب وبيل كلينتون في التسعينيات وإدارة باراك أوباما السابقة، اختلفت اختلافات جوهرية في موقفها من القضية الفلسطينية والقضايا العربية عن إدارتي رونالد ريغن في الثمانينيات وإدارة بوش الإبن في بدايات القرن الحالي.
ليس كلّ أميركا منحازة بنفس الدرجة إلى الكيان الصهيوني، وليس كلّ أميركا ضد الدولة الفلسطينية وضد الحقوق العربية.
هذا الأمر معروف لجميع المراقبين والدارسين والخبراء.
بيد أن النقطة المهمة التي نود التأكيد عليها هي أننا إذا أردنا أن «نشتغل سياسة»، ولا بد لساستنا من أن «يشتغلوا سياسية» فهذه وظيفتهم، لا بد لنا من استغلال الخلاف والاختلاف في المنظومة السياسية الأميركية كنافذة نستطيع من خلالها الحصول على الدعم لقضاينا من قبل الجهات الأقل انحيازاً والأكثر اعتدالاً.
أما الوقوف موقف المتفرج المستسلم الشاجب المنتظر الفرج، فلا يفيدنا في شيء.
والحقيقة أنه يُسجَّل لجلالة الملك حراكه الدولي النشط، ومحاولاته الدؤوبة لاستغلال النوافذ والفرص كافة. وهذا هو ما يفعله الساسة البارعون.
هنالك إذاً نافذة سياسية أميركية مهمة، لا بد لكل معني بالقضية الفلسطينية والقضايا العربية عموماً من استغلالها بكل ما أوتي من عزم.
مواضيع ذات صلة