محليات

الزيت المسلوق إرث علاجي يشفي الامراض

على مسافة عدة امتار، وانت تقترب من معصرة فرحان القديمة في وسط بلدة تبنة بلواء الكورة في شمال الاردن، تشتم رائحة الزيت المسلوق الذي يفتح شهيتك لشربه واكله مع الخبز الساخن، وما ان تدخل اليها حتى ترى رجالاً اشداء عشقت رذاذ الزيت ملابسهم يقومون بعمليات استخراج الزيت بالطريقة التقليدية التي عرفها الاجداد والآباء.

ويقول مالك اقدم معاصر الزيت المسلوق في بلدة تبنة محمد احمد العبد النبي، يموت الشخص ولا تفنى ماكينات استخراج الزيت المسلوق القديمة ذات التصنيع الايطالي مطلع القرن التاسع عشر الماضي، حيث كانت هذه الماكينات تتربع على فخر صناعة ماكينات الزيت إلى أن ظهرت ماكينات المعاصر الحديث التي لم تفلح إلى الآن من تغييب معاصر الزيت المسلوق.

وغياب الزيت المسلوق عن معظم بلدات شجر الزيتون الرومي في الاردن، ليس بسبب ظهور المعاصر الحديثة والالكترونية، بل لطول مراحل استخراجه وضخامة الجهد المبذول من قبل المزارعين، حيث لا زال الكثيرون في مختلف مناطق الاردن يحبون اكله ويقبلون على شرائه وتخزينه رغم محدودية كمياته وارتفاع اسعاره.

ويحلف المزارع أبو البهاء عاشق الزيت المسلوق قاهر الزيت الفغيش كما يقول،إن طعم ولذة وحرارة الزيت المسلوق لا مثيل لها، وبمجرد لمسه باصبعك، وتذوقه بلسانك، تنتابك احاسيس تنثر اطيافها في تفاصيل جسمك وتشعر بطعم حب الزيتون، وهنا تعرف أن زيتك نقي وصاف ومع مرور الايام يزداد حلاوة وزكاوة حتى انك ترى ملامح صورتك وأنت تنظر إلى الوعاء الحاضن له،قائلا، «آه ما اعذبك يا شجر الزيتون حبا وزيتا».

ويتميز زيت الزيتون المسلوق بلونه الاخضر الغامق جدا، بسبب عمليات تحضيره قبل العصر، حيث يقوم المزارعون بجمع حب الزيتون وتنقيته من الاوراق والشوائب، ووضعه في براميل حديدية متوسطة الارتفاع وتضاف اليه المياه الصافية العذبة، ثم توقد نار الحطب تحته، حتى يستوي، وبعدها يُفرغ ويُنشر على اسطح المنازل لمدة اسبوعين حتى يجف وتخرج المياه منه، ثم يرسل للمعاصر التقليدية.

ويوضح المزارع » ابو جمال »، أن اجواء وكرنفالية عصر الزيتون المسلوق في موسم الزيتون، لها طقوس جميلة ننتظرها على أحر من الجمر في شهرين تشرين الأول والثاني، بلقاء الاحبة وسرد حديث الذكريات والغناء الهجيني، رغم التعب الذي يعيش معك وانت تعصر الزيتون، بدءا من تفريغ الحب بالجرن مرورا بجاروشة الهرس نزولا لصحن الطحن وصولا الى وضعها بالقفف ثم تركيبها على الدواليب ثم كبسها بقوة اربعمئة طن انتهاءً بخروج بلورات الزيت الاخضر الداكن.

ويقوم المزارع الخمسيني » ابو بهاء» بعمليات تنظيف وتجميع الزيت النازل من القفف نحو وعاء التجميع بحجم نصف برميل من الحديد، الى ان يشارف على الامتلاء، ثم يقوم بتفريغه بتنك الزيت بمعدل خمسة عيارات لكل تنكة ما يساوي ستة عشر كيلوغرام، والعيارة كما يشرحها ابو بهاء هي وحدة القياس بمعاصر الزيتون المسلوق، حيث توزن كل عيارة ثلاثة كيلو غرامات.

وما يزيد من مذاق الزيت المسلوق دخوله في انتاج الاكلات الشعبية مثل المطابقة والرشوف والمكمورة، حيث يتم تشبيع الخبز بالزيت والبصل لدرجة تحس بدسامة الطعام خاصة بعد شوي الدجاج ودهنه بالزيت من اجل زيادة احمرار لحمه، الى جانب اكله مع اللبنة البلدية والفول والحمص وقلي البيض البلدي، ما يزيد من روعة فطورك اليومي.

ويشير محمد احمد العبدالنبي، ان عدد العاملين في معاصر الزيتون المسلوق يصل الى ستة عشر عاملا يتناوبون على الدوام لمدة اربع وعشرين ساعة متواصلة دون انقطاع، حيث يديرون كل الاعمال المطلوبة منهم، دون ضجر او تأفف، ويشعرون بسعادة لا توصف تتخللها النكات والاهازيج والغناء الشعبي والرقصات الفلكلورية الجميلة.

ويضيف، ان انتاج معصرته من الزيت المسلوق يبلغ نحو عشرة اطنان طيلة الموسم، وان اقبال المستهلكين على الشراء قوية، حيث تباع الكميات كاملة فور الانتهاء من موسم الزيت وباسعار ممتازة يصل سعر التنكة (110) دنانير والكيلو بسبعة دنانير، مشيرا ان في بلدة تبنة معصرتين تعملان بالزيتون المسلوق وتنتجان نحو عشرين طنا سنويا.

ويمضي العبدالنبي بعد انتهاء موسم الزيت المسلوق في تصنيع كُفف الزيتون بعد ان توقف استيرادها قبل عشرة اعوام لظروف المنطقة العربية واحداث سوريا، حيث يقوم يوميا بتصنيع كفة واحدة من خيطان النايلون على شكل صواني مستديرة بقطر نصف متر، موضحا انه يحتاج سنويا اكثر من (300) كفة لتغطية احتياجاته طول موسم العصر.

وبسبب حرص المزارعين من بلدة تبنة ومناطق لواء الكورة باستخدام العصر بالطريقة الباردة دون استخدام اي نوع من المياه، تزداد الحاجة الى توفير قطع لماكينات تلك المعاصر من الصناعة الايطالية، حيث يجد العبدالنبي مطلبه حقا في استمرار عمل معاصر الزيتون المسلوق لان اكبر مشكلة تعاني منها قلة القطع البديلة، وحال حدوث عطل ما ربما يوقف استخراج الزيت وذات الوقت يتلف انتاج حب الزيتون المسلوق، خاصة انه لا يمكن التعامل معه الا من خلال هذا النوع من الماكينات، مهما تطورت صناعة المعاصر.

وحسب مالك بني عيسى، ان الكثير من المستهلكين في المدن الاردنية يسعون لشراء كميات من الزيت المسلوق، بسبب مذاقه الرائع بجانب مواد غذائية معينة في وجبات الفطور والعشاء، واحيانا يعتبرونه علاجا لبعض الامراض الشتوية من لفحات الصدر وتشنج العضلات.

ويفكر اردنيون بزج الزيت المسلوق في اعادة تصنيعه في عبوات متنوعة الاحجام، تكون باسعار معتدلة وموجودة في المولات واماكن التسوق، من اجل تسويقه وسهولة الوصول اليه.