الدكتورمحمد عبد القادر خريسات هو أستاذ التاريخ الإسلامي في الجامعة الأردنية سابقاً, ورئيس جمعية المؤرخين الأردنيين, وله ما يُقارب المائة من الأعمال, ما بين بحثٍ وتأليفٍ, وتحقيقٍ في المصادر التاريخية والسجلات العثمانية والسجلات الشرعية والتقارير البريطانية أثناء الإنتداب على الأردن, وفي مجال التاريخ الإسلامي وتاريخ الأردن.
في الكتاب الصادر حديثاً والذي أهدانا إياه المؤرخ والبروفيسور خريسات (القبائل العربية على الأرض الأردنية منذ الفترة العثمانية حتى قيام الدولة الأردنية 1516- 1921) سيجد القارئ الاختلاف الكبير في المعلومات بين ما جاء في هذا الكتاب وما جاء بغيره من كتب الآخرين!! خاصة وان العديد من المؤلفات السابقة كانت قد اعتمدت على الرواية الشفوية التي تدحضها الوثائق.
لماذا هذا الكتاب !
يقول الدكتورخريسات في التمهيد لكتابه هذا ما يلي: « تعود بي الذاكرة أيام كنت طالباً في مرحلة الدكتوراه عندما وقع اختياري للكتابة عن الفترة الأموية.. تلك الفترة التي أسست لما بعدها في التاريخ الإسلامي، بالرغم من التشويش الذي جرى على هذه الدولة من المؤرخين المعاصرين للعباسيين ومن الفرق الإسلامية التي كانت مناوئة للحكم الأموي.
وقد قررتُ بعد فترة لا تقل عن ثلاثة أشهر على الكتابة في موضوع لم يُكتب فيه عن الدولة الأموية.. فوجدت في ثنايا المكتبات في مصر كتاباً بعنوان العصبية القبلية في الدولة الأموية لمؤلفه الدكتور أحمد مظهر، والكتاب من القطع الصغير، بِ 124 صفحة، ويعتمد على مصادر محدودة، و تاريخ طباعته 1924م.
ولما عرضت الأمر على الأستاذ الدكتور رحمه الله، عبد الفتاح شحاته, عزز من فكرتي، لا سيما وأنه قد مضى على إصدار هذا الكتاب ما يقارب الخمسين عاماً وذلك عام 1973.
فخلال تلك الفترة ظهرت مؤلفات عديدة سواء عن طريق التأليف أو التحقيق أو ظهورمخطوطات جديدة لم يطلع عليها الدكتور مظهر!! ثم بعد ذلك وجدت رسالة دكتوراه لأستاذ فيما بعد بجامعة دمشق يتحدث فيها عن الشعر المتعلق بالعصبية القبلية وهو الأستاذ إحسان النص.
وعلى أية حال تم تسجيل رسالتي بعنوان «العصبية القبلية وأثرها على مجری الأحداث في العهد الأموي».
كان الموضوع شاقاً!! وكان عليَّ أن أقرأ مصادر تلك الفترة من ألفها إلى يائها لعلني أظفر بمعلومة تفيدني في هذا البحث، وأثناء ذلك وجدت أن «كُتب الأنساب» يجب أن تكون في مقدمة مصادري للانطلاق منها للتقسيمات القبلية.
الأنساب من العلوم الشريفة عند العرب
ومن خلال قراءة هذه الكتب وجدت علم الأنساب من العلوم الشريفة عند العرب، وإن إعداد الخلفاء قديماً كان يتطلب تعليمهم أنساب العرب وفروعها، وكان الرائد في ذلك معاوية بن أبي سفيان, عندما طلب من دغفل بن حنظلة السدوسي أن يُعلم يزيداً هذا العِلم.
ومن يتتبع هذه الكتب لا بد وأن يتساءل كيف حُفظت هذه الأنساب حتی وصلت إلينا!! وباعتقادي أن (دفاتر العطاء) أو كما كانت تُسمى (جرائد العطاء) هي المصدر الأساس لمن بدأ بكتابة هذا العلم وقبل نهاية القرن الأول الهجري، وعن طريق قوائم العطاء التي كانت تُسجل وفق التقسیم القبلي تَم تدوين هذه الأنساب.
فعلى سبيل المثال عندما سجلت قريش بديوان العطاء احتل بنو هاشم المرتبة الأولى في التدوين، وهكذا فالأقرب إلى رسول الله فكانت المنافية والتي تضم الهاشميين والأمويين في صدارة هذه السجلات، وعندما احتج بنو عدي أيام عمر بن الخطاب على طريقة التسجيل رفض عمر أن يُغيِّر!! وهم كانوا يريدون بني هاشم أولا، ثم بني تيم رهط أبي بكر الصديق، ثم بني عدي رهط عمر.
فردَّ عمر: والله لا أضعكم إلا حيث كنتم ولو أطبق عليكم الدفتر، أي جئتم في آخر صفحة!.
فقد كان علم الأنساب من العلوم التي اهتم بها العرب قبل الإسلام، وكانوا يتناقلونها شفاهاً.. ولما جاء الإسلام ألف بها المسلمون مبكراً ولو كان بداية عن طريق العطاء، ووجد العديد من النَّسَّابة بين القبائل المتعددة.. وكان من المستهجن أن يسأل الشخص عن آبائه وأجداده ولا يعرف سلسلة نسبه!.
وبدأ التراجع بتدوين الأنساب منذ العصور العباسية المتأخرة، بل أخذ التزویر بالأنساب يزداد لاسيما من قبل الشعوب غير العربية والتي أنشأت الإمارات العديدة!! فقد حاول بعضهم أن يربط نسبه بقبائل العرب مثل الأكراد والبربر وغيرهم من الشعوب.
في الدولة المملوكية تم كتابة العديد من المؤلفات في الأنساب، بعضها فُقِدَ وبعضها لم يصل إلينا، والذي وصل جاء مختصراً، بل فيه الكثير من المغالطات, حتى في المؤلف الواحد!.
أما في الفترة العثمانية فقد حاولت الدولة ومنذ باكورة استيلائها على المنطقة أن تُسجل كل المواطنين بدوهم وحضرهم تحت ما سُمي كدفاتر الطابو، وكانت الغاية الأساسية منها جمع العوارض والضرائب، ولم تكن الغاية إحصاء النفوس، أو تدوین الأنساب، ومنها جاءت الأسماء مكونة من مقطع واحد أو مقطعين، ولما كانت الثقافة محدودة، فقد جاءت الأسماء محدودة أيضا ومتشابهة حتى في المقطعين.
وعند البدو كان التسجيل يتم بالإفراد لكل قبيلة، أما الفروع، فكانوا يكتبون جماعة فلان أو طائفة فلان أي شيخ هذه الفرقة، وعند موته يحل مكانه شيخ آخر، دون أن يحدد ما هو الفرع.
غير أن هذه الظاهرة ما لبثت أن زالت، أو أن دفاترها لم تصل إلينا، وجهل الناس أنسابهم، و نستطيع أن نلمس ذلك من خلال بعض ما يسجل في الأحوال المدنية مثل محمد أحمد خليل، ولو سألته عما بعد خليل فإنه لا يعرف ذلك!!.
ما هو نسبك؟!
ويقول الدكتور خريسات: كنت دائم الطرح لسؤالٍ على طلبة التاريخ من البكالوريوس حتى الدكتوراه لذكر نسبهم؟؟ ونادراً ما أجد شخصا يذكر أكثر من خمسة جدود، والجد الأخير يحتمي بالقبيلة أو العشيرة، بل والأفظع من ذلك فقد قمت بعرض أسماء المسيحيين الذين كانوا متواجدين في قضاء السلط في القرن التاسع عشر على بعض أفراد من عشائرهم، وقد تجاوزوا وقتها الثمانين من العمر فأفادوا أنهم لا يعرفون بعضهم، أو أنهم لا يعرفون أن أسماء هؤلاء الجدود تخصهم!.
وهناك جمعيات في الغرب تكونت من أجل الأنساب، والحكومات هي التي أدركت ذلك، فلو ذهبت إلى الولايات المتحدة، وسألت عن ترمب Trump الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأمريكية لأجابوك عن مسقط رأس جده الأول، والطائفة الدينية التي ينتمي إليها.
وقد طرح بعض الأشخاص من المغرب تكوين ما يسمى بالفيدرالية العربية للأنساب، وتم تشكيل لجنة لها، وكنت أحد أعضائها، إلا أن الزميل المغربي قصر خطته على أفريقيا فقط!! عندما لاحظ عدم الردود الإيجابية من المشرق العربي. وكما علمت أن العراق قد أسس جمعية لذلك، ولم أدرِ إلى أين وصلت!.
لذا فإن الدافع الأساسي للكتابة في هذه الأنساب مع خطورتها، هو المحاولة في التعريف بالقبائل التي ظهرت على الأرض الأردنية، وهذه القبائل كانت متنوعة ومتغيرة، فمن المعلوم أن البدوي سريع الحركة والانتقال، فتارة يكون في الأردن وتارة أخرى على حدود العراق على سبيل المثال.
وهذه القبائل بعضها كان منذ القدم على هذه الأرض واستمر كوجوده عليها، والبعض الآخر جاء من الحجاز أو شمال سوريا أو العراق، واستقر فيها، والقسم الثالث من كان على هذه الأرض لكنه غادرها إلى أماكن أخرى، ومن هنا نری فروع بعض القبائل موزعة على أقطار عديدة مثل العراق وسوريا والأردن والسعودية.
كاتب التاريخ يختلف عن المؤرخ
لقد وُضعت المؤلفات العديدة حول القبائل والعشائر الأردنية، بعضها من قبل الرحالة الذين زاروا هذه المنطقة، والبعض الآخر من قبل الأردنيين.. ويعتبر كتاب بيك باشا من أوائل الكتب التي تحدثت عن العشائر الأردنية، والواقع أن هذا الكتاب قد جاءت غالبية معلوماته من أفواه الناس، وتكاد تخرج بانطباع عام أن جميع العشائر الأردنية وسكان المدن والقرى هذه قد جاءت من خارج الأردن، وأن الأردن الذي يحتوي على الأراضي الخصبة، والمناخ المتنوع، والعيون والآبار العديدة لم يكن فيه خلق!!.
ويقول البروفيسور خريسات: وممن ألف من الأردنيين أحمد عويدي العبادي، وقد آثار كتابه لغطا كبيرا، والسبب أنه لم يلجأ إلى وثائق الأمن العام والبادية، وقد كانت تحت يدیه، وفيها معلومات وفيرة عن فروع القبائل بشكل عام.
والكتاب الثالث في عشائر الأردن هو ما قام به عبدالرؤوف الروابدة، والذي شغل عدة وظائف وحقائب وزارية، ورئيساً للوزراء، ورئيس مجلس الأعيان.. لقد قرأت عمَّا كُتِبَ عن هذا الكتاب، ثم اطلعت عليه فوجدته كمن يضع المرايا في زوایا العميان، فالروابدة وعَدَنا في مقدمته أنه سيثبت أن الأردن كان مأهولا بالسكان، وأن ما يدعيه الكثيرون عن مجيئهم من خارج الأردن ليس صحيحاً، لكن هذا الوعد لم يتحقق!! بل جاء الكتاب نقلاً عن بعض المراجع دون تمحيص أو نقد، ناهيك عن المغالطات التي وردت فيه.
وهناك كتاب عشائر بني صخر تاريخ ومواقف حتى سنة 1950م،صدر في 1995 للدكتور مفلح النمر الفايز وكان جُل اهتمامه الحديث عن بني صخر وبطونها.
وهناك العديد من المؤلفات من بعض القبائل والعشائر لا داعي لذكرها!!.
ويؤكد رئيس جمعية المؤرخين الأردنيين: إن معظم الذين يكتبون في التاريخ من غير المختصين الحقيقيين لا يدركون حقیقة مفادها أنَّ (كاتب التاريخ) يختلف عن (المؤرخ) فالأول يكتب كما يقرأ أو يشاهد أو يسمع.. أما الثاني فيكتب كما يقرأ أو يشاهد او يسمع إلا أنه يحلل وينقد ويعتمد على الوثيقة مستخدما أدوات النقد التاريخي والمنهج التاريخي والقدرة على الحكم والمحاكمة.
ويتابع د. خريسات: أمام ذلك ارتأيت أن أكتب عن القبائل، رافضاً كل الرفض الرواية الشفوية لوحدها، وذلك لتعرضها للأهواء في بعض المرات!!! وإن أخذتها فهي للمقارنة مع ما جاء في الوثيقة مشيراً في هذا الصدد إلى الأمور التالية:
أولا: أن علم الأنساب من العلوم المهمة التي يجب الاهتمام بها, وهي من أهم العوامل المؤثرة في التحولات الاجتماعية العديدة، وأن الناس أمناء على أنسابهم.
ثانيا: إنني اعتمدت على الوثائق المتوفرة بالقدرالمتاح ولم أخرج عنها، وقد أشرت إلی مظاهر الاختلاف, وحتى في المصدر الواحد حول بعض الأنساب، وكذلك ما جاء في الوثائق، وفي حالات عديدة كانت الدولة العثمانية تسجل بعض البدو المتجاورين كأنهم قبيلة واحدة.
ثالثا: لقد أوردت للقبائل جداول عديدة لفروعهم من أجل المقارنة بينها.
رابعا: أدرك تماماً أن هناك بعض الأخطاء في هذه الجداول وهي تتعلق ببعض الفروع التي أضيفت للقبيلة، وهي لم تكن منها، وبالمقابل علينا أن ندرك أن الفروع الضعيفة كانت تؤمن إيماناً مطلقاً بأنها لن تتمكن من العيش في الظروف السابقة دون الالتجاء إلى القبيلة الأكبر، وعلينا أن لا نرى في ذلك عيباً، فهذا الفرع أو البطن أدرك اليوم أنه لم يعد بحاجة إلى هذه القبيلة، وأنه أعلن الانفصال عنها، وهناك شواهد عديدة حدثت في بعض العشائر.
ومن انتمى إلى قبيلة أو عشيرة أخرى فهذا لا يعيبه، ففي الدولة الإسلامية إن لم يجمع النسب كان الولاء هو الجامع.. فأسامة بن زيد ابن مولى لكنه كان مع بني هاشم على سبيل المثال.
خامسا: لم ألجأ إلى مثل ما سبقني في هذا الشأن إلى ذكر سلبيات البدو، بل قد أشرت إلى ما قاموا به من أعمال نافعة للأمة والوطن، ولم يكن هؤلاء البدو كتلة من الشر أو رمحاً من الغزو، بل كان شأنهم شأن أهل الحواضر, بل وأكثر في الدفاع عن هذه الأرض.
سادسا: أنني أضع عنواني لكي أتلقى التصويبات الصحيحة لتوثيقها في الطبعة القادمة إن مد الله في العمر، ولذلك أرجو أن لا يبخل علينا صاحب المعرفة بذلك.
وأخيرا، فإني لا أدعي الكمال بهذا الشأن، ولكني حاولت قدر جهدي واستطاعتي، داعيا بهذا الشأن كل قبيلة وعشيرة أن ينهض من بينها شخص أو أكثر ليقوم بتدوین أنسابها، وتسليمها من جيل إلى جيل، وأن يسجل فيها أسماء الذكور والإناث والزوجات وتاريخ الميلاد والوفيات، وأن يكون التسجيل بأسماء رباعية لتكون هذه التسجيلات وثيقة لدفع كل من يحاول التشكيك في هذه الأنساب أو الخلط بينها، ولیكن فخرنا دوماً بالبرهان.
فهرس الكتاب
وعن المواضيع التي أشار إليها المؤرخ خريسات في كتابه هذا كانت على النحو التالي:
عرب الشام. القبائل العربية في كتب الأنساب. العثمانيون والقبائل البدوية حتى نهاية القرن السابع عشر الميلادي. العثمانيون والقبائل البدوية في القرن الثامن عشر الميلادي. العثمانيون والقبائل البدوية في القرن التاسع عشر ومطلع العشرین. عرب الهنادي. بني صخر. عنزة. الرولة. شمّر. الشرارات. العدوان.
ثم: البلقاوية (العجارمة، الزففة، ابو الغنم، الأزایدة، العوازم، الشوابكة، الدعجة، الايديات، (الحديد، الحنيطيون) الرقاد، الراشدة، الدبایبة، السيوف، الذريوات، الحويان، الهناندة (الهنادي).
ثم: البحرات. السلوط. عباد. بني حمیدة العمرو. الحجایا. الحويطات. السعيديين. النعيمات. بني عطية. الاحيوات (اللحيوت). بني عقبة. بني حسن. عرب الشمال. السردية. الفحيلة. عرب الجبل. زبید. المساعيد. السلوط. بني خالد. السرحان. العیسی. عشائر الغور. صخور الغور. الغزية (الغزاوي) المشالخة. المخيبة والبشاتوة. البلاونة. عشائر الغور الجنوبي. عرب الصقر. ولد علي والرولة. عربان الجولان. عربان متفرقة. المحاكم العشائرية. بدو الأردن عام 2016 بدو الشمال. بدو الوسط. بدو الجنوب. البدو في دفاتر الطابو. تقدير الرحالة لأعداد البدو».
في لقاءٍ سريع
ومن خلال لقاء سريع مؤخراً مع الدكتور خريسات في مدينة السلط أوضح بعض المواقف والملاحظات ومنها:
- لا بد لِمَن يكتب بالتاريخ ان يكون لديه إتقان ببعض اللغات الأجنبية غير العربية.
- وإن الإلمام بِعلم الأنساب ليس القصد منه العصبية القبلية.
- والوثيقة التي لا يتم البحث فيها هي تاريخ ميت! فعندما تبحث فيها فإنك تُحييها.
- ومَن تعلَّم علم «الأنساب» فلا يجوز الطعن فيها.
- أقدِّرُ عهد الدولة الأموية لأنها أخلصت بنشر الإسلام واللغة العربية في محيطها الكبير في ثلاث قارات: آسيا وأفريقيا وأوروبا.
- في العام 1987 تعلمت اللغة العثمانية لأذهب الى استنبول لملاحظة الوثائق العثمانية القديمة وبتصريح من رئيس الوزراء التركي آنذاك.
- جمعية المؤرخين الأردنيين تأسست عام 1999 ومن أشهر أعضائها: محمد خريسات, يوسف غوانمة, محمد الحتاملة, ممدوح الروسان, جورج طريف, شادية العدوان, احسان قاقيش, فايز الربيع, وآخرون.