الكل يجمع أننا، بدءاً من التسعينات من القرن الماضي بالتحديد، دخلنا عهد «الثورة المعلوماتية» الذي تعددت فيه وسائل التواصل وتبادل المعلومات على نحو غير مسبوق.
تطوران مهمان حصلا في الفترة هذه، يتمثل أولهما في انتهاء حقب متعاقبة من معلومات محدودة تأتينا عن طريق وسائل محدودة، بشروط وقيود مُحكمة، ويتمثل ثانيهما في أن صناعة المعلومة ذاتها لم تعد حكراً على الدول والمؤسسات التي كانت تتحكم ليس فقط ب «كمْ» يصلنا من أخبار أو معلومات، و«كيفَ» و«متى» تصل، بل كذلك ب «ماذا» يصلنا.
بمعنى آخر دخلنا عالم يتسم بتدفق هائل للمعلومات تأتي من كل حدب وصوب، كما يتسم بضعف تحكم الدول والمؤسسات بها، وبنهاية احتكارها، إضافة إلى تعاظم أهمية الإعلام الخاص.
وفوق هذا وذاك، برزت أهمية ما يسمى بإعلام الأفراد، فكل من بيده هاتف نقالا موصولا بالإنترنت، يستطيع أن يملك بيده وتحت كامل تصرفه إذاعة وتلفازاً وصحيفة إلكترونية، يصنع ما يشاء من أخبار ومعلومات ويبثها دون قيد أو شرط.
تطورات وتحولات هائلة.
وهي تطوّرات وتحوّلات إيجابية في العديد من وجوهها، وبالذات إذا أحسنت الدول والمؤسسات والأفراد التعامل معها.
بيد أن لهذه الحالة المعلوماتية «الثورية» تحديات وسلبيات قد تكون مؤذية ومدمرة.
من أهمّها المفارقة بين كم المعلومات وتعدّدية مصادرها من ناحية، والمعرفة الحقيقية المتأتية عن طريقها من ناحية أخرى.
بمعنى آخر بدأنا ندرك أن افتراضنا بأن تزايد حجم المعلومات وتعدد مصادرها يخلق معرفة ودراية وتنويراً وحكمة أكثر من ذي قبل هو مجرد افتراض. لا بل إنه افتراض خاطئ، كما اكتشفنا ونكتشف.
فنهاية حقب «التحكم» بالمعلومة واحتكارها من قبل «السلطة» أو «المؤسسة» لا تعنى بالضرورة تحقق المصداقية التي كنا وما زلنا ننشد، أو أننا صرنا بالضرورة نعرف أكثر أو نعي أكثر أو نفهم أكثر.
فالكثير مما يُبث عبر الوسائل المتعدده من قبل الأفراد، وبالذات في السوشل ميديا، مبني على الانطباعات والاستنتاجات المتسرعة والأهواء والولاءات، وأنصاف الحقائق والمصالح الضيقة، وهو بالتالي غير موثوق.
والمسألة المهمة هنا هي مسألة الموثوقية أو المصداقية. فهذا المحيط المعلوماتي متلاطم الأمواج الذي نعيش فيه معظمه يفتقر إلى المهنية والحقيقة، وأحيانا المسؤولية والمبادئ الأخلاقية.
وهو خطير للغاية، ذلك أن العديد من الناس بسبب تحفظاتهم على الإعلام الرسمي الذي يعدّونه مؤدلجاً وموجهاً، قد يظنون «الإعلام الحر» هذا يتمتع بالموضوعية والصدقية. وهذا كلام غير صحيح، كما أثبتت التجارب.
من هنا وجب علينا الحذر، والسبيل للتعامل مع هذا التحدي هو افتراض أن كل معلومة تصلنا، مهما كان مصدرها، هي غير موثوقة وغير دقيقة إلى أن نتأكد منها بعد فحص وتمحيص دقيقين.
شئنا أم أبينا، ينبغي أن نعدّ «من واحد إلى عشرة» قبل أن نصدق أياً مما نقرأ أو نسمع أو نشاهد. وهذه يجب أن تكون قاعدتنا الأساسية في التعامل مع أية معلومة في هذا العالم المعقد.
مواضيع ذات صلة