ربما تكون أول وآخر سابقة أن يقوم سفير بإجلاء كافة الرعايا الأردنيين من الدولة التي يعمل بها في مثل هذه الظروف (ظروف الحرب)، وذلك عبر جسر جوي من الطائرات العسكرية والملكية، وبالمجان، حيث تم الإعلان وبالطرق المتاحة لجميع الرعايا لمن يرغب بالسفر، وذلك بعد أخذ موافقة جلالة الملك الحسين رحمه الله على ذلك، كان تقديرنا بعدد محدود من الرحلات ولكنه توسع بحيث شمل الرعايا الأردنيين وقسم من الرعايا العرب وبخاصة العراقيين وذلك تقديراً للعراق الذي كان يزودنا بالنفط بأسعار تفضيلية، وكذلك السفراء العرب والأجانب ومديري الشركات الأجنبية، إذ أن الخطوط الأردنية والطائرات العسكرية كانت هي الوحيدة التي تعمل في هذه الظروف وبخاصة زيادة التأمين نظراً للظروف.
عملنا غرفة عمليات في السفارة تحت إشرافي المباشر ولبست ملابس الميدان وبدأت الدوام في المطار للإشراف على تسفير الرعايا، كنا نقسمهم ما بين الطائرات العسكرية للشباب والأقوياء والمدنية للأطفال وكبار السن وعائلاتهم.
سأذكر حادثة طريفة وقعت لي بالمطار، جاءت عجوز لا أعرفها تسأل عن السفير، طبعاً لم تصدق ان السفير مداوم في المطار، سألتها ماذا تريدين يا حجة، قالت أريد السفير، لماذا، لأنني أريد أن أركب في الطائرة الملكية المدنية، قلت لها، وإذا أنا أنهيت المشكلة، لأن اسمها أصلاً لم يكن في القوائم وجاءت مباشرة إلى المطار، قالت والله إنك أحسن من السفير، اللي نايم الآن وما هو سائل فينا، قلت لها، شايفة يا حجة احنا نشتغل وهو نايم، بالمناسبة بعد التجربة والخبرة، كان ذلك أفضل للتقدم في السلم الوظيفي، ولكنها المسؤولية الأخلاقية والأدبية و الوظيفية الحقيقية.
جاءت عشرات كتب الشكر من الامم المتحدة، والدول التي تم تسفير أعضاء سفاراتها وموظفيها وبعض رعاياها، وأنهينا المهمة ولم يبق مواطن أردني واحد يريد السفر إلا وسافر.
بدأت الحرب تأخذ مجراها بالتقدم العسكري، و كنا نتألم كما نتألم الآن أن الحرب هي بين الأخوة، يظهر أن هذه هي اليمن، لا تصحو من جراح الا و تثخن بجراح جديدة، كان الموقف الأميركي غير المعلن و الذي عرفته بطريقتي الخاصة، هو مع الحرب، لكنهم كانوا يريدون ان تنتهي بسرعة حتى لا يكون هناك إيقاف من مجلس الأمن، وهذا الموقف مخالف في حينه لمواقف معظم الدول العربية، قالها الرئيس مبارك في حينه، الوحدة مش بالعافية يا جماعة.
كانت هناك ميليشيات جاءت من خارج الحدود و تمركزت في حضرموت، وتم شراء اثنتي عشر طائرة ميغ (٢٧) من روسيا وصلت منها أربع لمطار حضرموت، تمت الاستفادة من اثنتين ورأيت اثنتين في ما بعد بصناديقهما، وذلك لإطالة أمد الحرب لصالح الجنوب، ما يجري الآن في الجنوب يكاد يكون صورة لما كان في عام (٩٤) مع اختلاف في الشعارات أي بدون إعلانات.وللحديث بقية.
مواضيع ذات صلة