محليات

السوق الشعبي.. بوح الذاكرة وملاذ الفقراء

يحلو لعدد من المواطنين في الريف الاردني، استرجاع ذاكرتهم القديمة والبوح بها كلما زاروا سوق الجمعة او السبت، الجامع لكل مستلزمات الحياة من غذائية وصناعية وزراعية باسعار رخيصة، واستعادة روح الفكاهة بين مرتاديه.

ويكشف عدد من رواد سوق الجمعة او السبت الشعبي، انه اصبح جزءا من حياتهم في التسوق، فلا يهدأ لهم بال الا اذا جالوا واشتروا وانبسطوا، فهو سيموفنية اقتصادية رائعة تجمع بين مستلزمات الشراء واصوات الباعة التي منها ما يطربك واخرى تجعلك تغوص في الضحك حتى يستقيم مزاجك.

وعرف الاردنيون نشأة سوق الجمعة الشعبي في عام (1987) بعمان، حين اتفق عدد من الباعة المتجولين على مكان ما وحددوا يوم الاحد للبيع، حيث لاقى رواجا رائعا من الفقراء ومتوسطي الدخل، واستمر الحال الى ان انتشرت الاسواق في المدن الرئيسة والارياف لكن باعداد متواضعة لاعتبارات ادارية وتنظيمية.

ويتذكر المواطن محمود ابو شقير الرجل الستيني، اوقاتا حلوة كان يقضيها بسوق الجمعة باربد، وهو يتجول بين البضائع والانتيكات والكهربائيات والطيور، وكانت فرحته تزداد حين يرى المكان يتحول الى خلية نحل من العمل والبيع اللطيف دون مشاكل، كل واحد مشغول بالبحث عما في باله، مشيرا الى ان السوق انتقل لاحقا الى مدينة الشاحنات ليفترش مئات الباعة مساحة واسعة من المكان يعرضون فيه الملابس والاحذية والخضار والفواكه ومواد التنظيف والبالة والأنتيكات، ويردد البعض عبارة اللي على باله ما يحرم حاله، كله ببلاش.

وعدّ هاني محمد، سوق الجمعة او السبت حدث الاسبوع الاقتصادي وملاذ الفقراء وذوي الدخول المحدودة، وانه يجمع بين الشراء والفُكاهة والكرنفالية التجارية، فضلا عن انه اطلس الجغرافيا الذي يرشدك الى معرفة البلدات ومنتجاتها وسكانها، لافتا الى ان هذه الاسواق لم تعد مقتصرة على الفقراء بل اقتحمها الاغنياء للبحث عن انتكيات ومقتنيات تراثية قديمة تداعب ماضي ابائهم واجدادهم.

ويحرص المئات من المواطنين اسبوعيا، وسط ظروف اقتصادية صعبة يعيشونها، على الشراء من سوق الجمعة او السبت اينما وجد، حيث يصفون البضاعة فيه بذات الجودة الكبيرة والرخيصة مقارنة مع المحال التجارية والمولات الكبيرة، حتى البضاعة غير الموجودة بالسوق التجاري تجدها بهذه الاسواق الشعبية.

ويستغل المواطنون الاردنيون ايام عطلتهم للشراء من سوق الجمعة او السبت في حدود مدنهم، لانه يمكنهم تأمين احتياجاتهم المختلفة بسهولة وباسعار متواضعة، تخفف من عبء الوضع المادي وتحافظ على توفير سيوله لنهاية الشهر.

وتشير المعلومات والاحصائيات الى ان وزارة التخطيط والتعاون الدولي وقعت في (2008) اتفاقيات مع عشر من بلديات اردنية، لإنشاء وإدارة أسواق شعبية بكلفة مليوني دينار، بعد ان اكدت التغذية الراجعة نجاح فكرة الاسواق الشعبية وتنظيمها لسوق البسطات والباعة المتجولين وتحريك الحركة الشرائية لدى التجار والمستهلكين.

ويرى اساتذة علم اجتماع ان الاسواق الشعبية المنتشرة في عدد من المدن الاردنية، ادت الى ايجاد حالة شرائية واسعة بالمجتمعات التي تواجه ضائقة مالية وصعوبة معيشية، حيث اصبحت تلك الاسواق تحاكي واقعهم وتتكيف معها، وهي بدائل رائعة مقارنة مع دخل الاسرة الشهري.

ويدعو مواطنون بلدياتهم الى ضرورة اقامة اسواق شعبية بالمعنى الشمولي مزودة بالبنية التحتية وليس لغاية محددة كما جرى بشهر رمضان الماضي، لاسيما انها توفر مستلزمات حياتهم باسعار رخيصة دون وساطة التجار، وتخفيف الاجارات عن الباعة، وفتح الباب امام الاسر المنتجة بعرض منتوجاتها وبيعها باسعار معتدلة لتحسين واقع معيشتها ودخلها المادي.

ويقول المواطن علي الصقور، ابن الاغوار الشمالية، إنه لا بد ان توفر البلديات اماكن آمنة للباعة لاقامة اسواقهم الشعبية عليها، لان ما نجده مقام على الشوارع الرئيسة يزيد الخطورة على المشاركين والمشترين، خاصة ان استخدام وسائل السوشيال ميديا كفلت تغطية حركة البيع والعروض.

ويقول عدد من المنظمين للاسواق الشعبية، ان جهات ذات علاقة تتعاون معهم في انجاح فكرة السوق والتوسع فيه دون اي مقابل مادي، من اجل اعطاء مساحة اكبر للمنتجين المحليين من بيع انتاجهم وتحسين دخولهم الى جانب محاربة الفقر والبطالة.

وبعد ان انتشرت ظاهرة الباعة المتجولين والبسطات والبكبات امام المساجد وعلى جنبات الطرقات الرئيسة بشكل لافت ومزعج، هل تتبنى البلديات اقامة اسواق شعبية في مركز كل بلدية توفر فيها كل شروط الصحة والسلامة العامة والبنى التحتية ؟