يتبادل الزوجان الحب والرحمة، لكن قد يتخذ هذا الحب منحى آخر ليحمل في طياته نزعة تملكية تصيب أحدهما، فتترافق مع الأنانية وممارسة السلطة على الطرف الآخر دون قصد وذلك بسبب فرط القلق من خسارته أو العواطف الجياشة تجاهه .
الاهتمام والغيرة والاحترام من علامات حب الطرف الآخر، لكن ينبغي أن تكون مع إعطائه مساحة من الحرية يعيشها وحده أو مع أصدقائه وأهله، أما أن يتم السيطرة على جسده وحبسه في مكان محدد والتحكم في مشاعره ومنعه من التعبير عن رأيه، فهذا هو التملك الذي يعدم العلاقة وينهيها، فالإنسان خلق حراً لا عبداً الا لله تعالى، والتملك الإيجابي هو حرص الحبيب على امتلاك مشاعر حبيبه لا حياته.
تقول الاستشارية التربوية والأسرية رولا خلف: «حب التملك مرض اجتماعي لا يفرق بين رجل وامرأة وأحياناً يتواجد بين النساء أكثر من الرجال خاصة أن المرأة عاطفية ومشاعرها تتحكم فيها».
وترى خلف أنه :«يجب علينا أن نعي بأن هناك فرقا بين كلمة حب وكلمة تملك فالحب الحقيقي خاصة في العلاقات الزوجية هو العطاء دون انتظار مقابل، أي أن يعطي الزوجان معاً دون تقييد وسيطرة، بمعنى أننا بالعطف والرحمة والمودة نصنع الحب».
وتضيف: «إذا زاد التملك عن حدوده الطبيعية يتحول إلى أنانية ويتغير معناه فلا يكون حبا للطرف الآخر، وإنما حبا للذات وهو نوع من النرجسية المفرطة في الحب، والفرق كبير جداً بين حب التملك والعناية والاهتمام وهو يتسم بالغيرة الشديدة وفرض الرغبات الخاصة ومعرفة كل صغيرة وكبيرة في حياة الزوج لدرجة تصل إلى تضييق الخناق عليه والحرص على مصاحبة الزوج بشكل دائم دون ضرورة لذلك».
وترى أن: «المصابين بحب التملك لديهم عوامل مشتركة من الشك والغيرة لذلك يعد حب التملك من الأزمات الحقيقية التي علينا أن نواجهها بشجاعة حتى ننعم بحياة أفضل».
وتبين خلف أن :«العديد من الأزواج يفتقدون إلى اليقين بالله بأنه لا يقع شيء في هذا الكون إلا بقدر الله وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، فالرضا بما قسم الله لنا في كل أمور حياتنا يجعلنا نرضى بما حولنا ونكتفي بما هو موجود لدينا، فمن المهم الإصرار على التمتع بالحياة مع الزوج أو الزوجة والابتعاد عن النكد لأنه في النهاية سينعكس على الأسرة بكاملها».
وتوضح أنه: «من الطبيعي أن يكون لدى كل شخص حب التملك ولكن لدرجة معينة ودون فرض السيطرة والرأي على الآخرين، فمثلاً هناك أشخاص يحبون تملك السيارات أو العقارات أو الادخار وهذا لا مانع فيه، ويعتبر تملكا إيجابيا، ولا مانع أن يعبر كلا الزوجين عن محبته للآخر ولكن بشكل معتدل حتى لا تتحول هذه النزعة إلى تنافس وربما إلى خلافات تؤثر على الحياة الزوجية».
وتشدد خلف على أن :«حب التملك يترجم بالتعلق المبالغ فيه والاهتمام الزائد عن حده وهذا أمر مضر جداً، كالزوج الذي يلحق بزوجته ويتتبع كل تحركاتها بشكل دقيق ويمنعها من القيام بكثير من الأمور في حياتها والعكس صحيح».
وترى أن: «حب التملك أيضاً يؤدي احيانا إلى الإحساس بالقلق الدائم من الانفصال أو الموت فيصبح وكأنه خوف على الطرف الآخر أشبه بالهوس، فالحل الوحيد هو التحلي بالإيمان الصادق والتوكل على الله، وطرد الهواجس والأفكار السلبية وعدم التفكير فيها واستبدالها بأفكار ايجابية تنعكس على الزوجين».
ويقول أخصائي علم الاجتماع الدكتور فيصل الغرايبة إن:«الأصل في العلاقة بين الزوجين أن تكون علاقة متكافئة تقوم على الثقة المتبادلة، ولكن النزعة للسيطرة على الآخر والميل لفرض الرأي عليه المتأصلة في نفس أحد الزوجين تجعله يحاول فرض رأي، ويتطلب منه أن يتصرف وفق ما يراه ذاك الطرف (الشريك)، ولا يروق له أن يخرج عن الخط الذي رسمه في ذهنه ولا يتقبل منه حتى مناقشة هذا الرأي أو التردد في سلوك نفس الإتجاه الذي يتبناه الطرف الذي يسعى إلى فرض رأيه واتباع ما يروق له».
ويرى الغرايبة أن: «الإتفاق والإلتقاء عند نقطة يتجادل عليها الطرفان من الأمور واجبة الإتباع بين الزوجين، وهي التي تستوجب نوعاً من التنازل وعدم التصلب والتشدد بالرأي والموقف في سبيل الوصول إلى التوافق والإنسجام ومن ثم المضي معاً لتحقيق المطلوب المرغوب تجاه الأبناء والأهل والأقارب وسواهم، الأمر الذي يستوجب التوافق بوجهات النظر والتناغم في القناعات المبنية على أن المصلحة الأسرية الزوجية واحدة وعلى الطرفين العمل على صيانتها وحمايتها بما فيها من خير واطمئنان واستقرار في ربوع الأسرة».
وتؤكد العديد من الدراسات النفسية أن حب التملك يعد شعوراً فطرياً يتكون لدى الإنسان منذ الطفولة عندما ينشأ لدى الشخص الإحساس بمحيطه ويكتشف علاقته بالأشياء وبالآخر، لكن هذا الشعور إذا تجاوز حالته الطبيعية وارتبط بالأنانية وبالنرجسية والرغبة في امتلاك ما للغير وامتلاك الأشخاص المقربين فإنه يصبح حالة مرضية قد تؤثر سلباً على الشخص وتصيبه بقلق وتوتر دائمين وتضر بعلاقاته خاصة على المستوى الأسري سواء كان هذا الشعور بين الزوجين أو لدى الأبناء.