كتاب

كنت سفيراً في اليمن (٩)



أعي تماماً ان المواقف السياسية تتغير، وان هناك مصالح تحكمها ولكنني من المؤمنين أيضاً بضرورة تخليق العمل السياسي، وأن هناك خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها، مثلاً وحدة القطر الواحد، وعدم تشظيه، والأمن القومي العربي، والتكامل الاقتصادي، كلها ضرورات ناهيك على انها مبادئ تربينا عليها، ومن هنا، كان حماسي اكثر للسير في الحفاظ على الوحدة اليمنية، والتي كان الراحل الملك الحسين رحمه الله يعتبرها أولوية أردنية في تلك الفترة.

قلت في المقال السابق إننا كنا بصدد التحضير لمؤتمر يجمع الشمال مع الجنوب في عمان، ماذا يعني الشمال والجنوب كله يمن، تختلط فيه القبيلة مع الدولة، ربما من ميزة القبائل في اليمن على الأقل في الفترة التي عاصرتها، انها قبائل كبيرة، ففي الشمال كانت هناك قبيلتي حاشد وبكيل، كان المرحوم الشيخ عبد الله الأحمر شيخ قبيلة حاشد التي ينتمي اليها الرئيس اليمني، وكان الشيخ سنان ابو لحوم شيخ قبيلة بكيل، ولا بد من التنسيق معهما، فأصبحت العلاقة معهما كبيرة وعميقة، وكان الشيخ المرحوم مجاهد ابو الشوارب حلقة وصل مع الاردن سافر مراراً قبل المؤتمر بترتيب خاص، بلغ عدد الأشخاص من الرسميين وشيوخ القبائل الذين سيحضرون الى عمان حوالي (٥٠٠) شخصية، كل ذلك أخذ منا وقتاً وجهداً، كان التنسيق مع الجنوب اسهل لأن علي سالم البيض كان هو الشخص المعني وصاحب القرار بعكس الشمال، الذي وان كان الرئيس يمثل الدولة الا ان الشيخ عبد الله الأحمر وكان رئيساً لمجلس النواب، هو الشخصية الأكثر تأثيراً في المشهد العشائري إضافة إلى كونه رئيساً لحزب الإصلاح المشارك في الحكومة.

كان المرحوم جلالة الملك الحسين على اطلاع مباشر بكل الترتيبات، وذلك من خلال التقارير اليومية التى كنت أرسلها للديوان الملكي، بالإضافة إلى اللجنة الأردنية التى ذكرت المرحوم الأمير زيد بن شاكر والدكتور خالد الكركي ومروان القاسم وزودت الديوان بالمسودة التي ستعرض للتوقيع وماهي الاسماء التى ستحضر في الديوان، والذى دعي إليه المنظمات الدولية وأصر المرحوم ياسر عرفات على الحضور بمبادرة منه ودون دعوة رسمية لإن المؤتمر كان اردنياً يمنياً، والشهود عليه من الأمم المتحدة، كان الوقت «رمضان» وتم حجز عدد من الفنادق وكانت قاعات الطعام موزعة بعضها للشمال وأخرى للجنوب وأشرفت على غرفة عمليات في الفندق انتدبت الخارجية بعض الدبلوماسيين للمساعدة اذكر من بينهم معالي الأخ بشير الرواشدة، كنّا حريصين على تأمين كل أسباب النجاح للمؤتمر، بدأت الوفود بالحضور، وأصر الشيخ عبدالله الأحمر ان يكون موقعه مساويا لموقع الرئيس سواء من حيث الإقامة او ترتيب الكراسي في القاعة، سأتناول لاحقاً مشكلة عدم نزول زوجة على سالم البيض من الطائرة وإصرارها على البقاء في المطار، وكان المرحوم الملك دالة كبيرة عليه هي التى سهلت حل المشكلة.