الزحف العمراني، أو الكتل الخرسانية، أو البناء العشوائي، تعددت الأسماء والنتيجة واحدة، وحش إسمنتي يتمدد على سكينة الأراضي الزراعية، ويلتهمها قطعة قطعة، وسط غياب قوانين تنظيم صارمة، وضعف أداء جهات يفترض أن تكون معنية بالقضية.
تمدد أنهى حياة أخصب الأراضي الزراعية في عدة محافظات، يقفز أفقيًا من منطقة إلى أخرى، ليزرع نفسه على حساب مزارع الزيتون والعنب، وحقول القمح والشعير، التي كان لها ذات يوم شأن كبير.
الإحصائيات التي تتحدث عن تراجع مساحات الأراضي الزراعية في المملكة مرعبة، إلى درجة دفعت وزارة الزراعة إلى التحذير من كارثة ستؤدي حتما إلى تآكل المساحات الخضراء لصالح الزحف العمراني.
وأشارت إحصائيات وزارة الزراعة إلى أن نسبة تراجع مساحات الأراضي الزراعية في الأردن، منذ العام 1997 إلى 2017، بلغت 46,9 %.
وبينت ذات الإحصائيات أن مساحة الأراضي الزراعية في المملكة كانت 2,892,100 دونم، لتنخفض في العام 2017 الى 1,533,796 دونما.
ولفتت إلى أن مساحة الأراضي التي زحف إليها العمران بلغت في العام 2017 نحو 1,358,304 دونمات، ما ينبئ بكارثة ستعمل على تآكل الاراضي الزراعية لصالح التوسع العمراني العشوائي.
أسباب أخرى ساهمت في التمدد الإسمنتي الجائر، تمثلت في توزيع التركات، وبيع الأراضي لارتفاع أسعارها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وازدياد عدد السكان، وغيرها، وفقًا لمزارعين ومهتمين بالشأن البيئي، لفتوا إلى أن السبب الرئيس هو غياب الرقابة، وعدم تطبيق قانون قوي يضبط الإيقاع.
إربد.. من سلة غذاء إلى غابة إسمنتية
إربد - محمد قديسات
حتى وقت ليس ببعيد كانت اربد كامتداد لسهول حوران الطبيعية تعد احدى ركائز الانتاج الزراعي على المستوى الوطني وتنتج معظم استهلاكها من المحاصيل الحقلية الشتوية والصيفية وجزء من احتياجات المملكة الاستهلاكية من القمح والشعير والعدس والكرسنة والبقوليات الاخرى، لكنها بدات منذ ثمانينيات القرن الماضي تفقد هذا البريق تدريجيا لصالح الغزو الاسمنتي المتصاعد الذي اشتد حصاره وامتداده على الرقعة الزراعية مع تسعينيات القرن الماضي حتى اكل الاخضر واليابس واصبح مع الدخول في الالفية الثالثة هو الظاهرة الابرز لاربد بعد ان كانت الحقول والمساحات الخضراء هي السمة الغالبة.
ولا تحتاج الذاكرة لكثير من العناء وهي تقارب بين الماضي والحاضر فبعد ان كانت الخضرة وتمايل سنابل القمح مصدر فخر والهام واعتزاز لابناء اربد وهي تتراقص بين سهولها انتظارا لموسم الحصاد تبدل المشهد البصري ليقع على غابات اسمنتية مترامية الاطراف بينما بعض الحقول المتسلسلة بين هذه الغابات تقبع حزينة ضعيفة لا حول لها ولا قوة تنتظر نفس المصير تحني راسها انصياعا لجبروت الاسمنت فذهبت قيمة الانتاج وتفاخرنا اننا ناكل مما ننتج كمصدر قوة لنا ادراج الرياح واصبحنا نلهث وراء رغيف الخبز بعد ان كان من صنع ايدينا واستبدلنا ثقافة الانتاج بثقافة الاستهلاك اما طوعا او كراهية.
ويؤشر عدم وجود قاعدة بيانات توفر ارقام واحصائيات لحجم الزحف العمراني على الاراضي الصالحة للزراعة في اربد من جميع الجهات ذات العلاقة الى قصور واضح بالتعاطي مع هذه الظاهرة المقلقة التي تمتد اثارها البيئية والاقتصادية والنفسية للاجيال القادمة التي تخشى عدم وجود مساحات خضراء ليس فقط للزراعة وانما كمتنفسات طبيعية لها كما انه يدلل على اهمال رسمي حكومي واهلي سواء من خلال التشريعات او من خلال الانظمة التي تعمل بها البلديات بصفتها مسؤولة عن التنظيم وتطوره في مناطق امتيازها في السيطرة على التمدد الاسمنتي بكل الاتجاهات لكن العين المجردة قادرة على رؤية حجم الظاهرة واتساعها واستشعار اثارها راهنا ولاحقا.
وتتسق اراء مهتمين بهذه الظاهرة المقلقة حيال اسبابها ودوافعها ومسبباتها لجهة قصور التشريعات والقوانين والانظمة في معالجتها واهمية التوجه الجدي بالعمل على ايقافها عند هذا الحد حماية للاجيال القادمة والابقاء على ما تبقى من مساحات خضراء تشكل مرتكزا للتطور الحضري الذي يوازن بين متطلبات البيئة وحاجات العمران مع ضرورة دعم المزارعين وتقليل كلف الانتاج لتشجيعهم على العودة للزراعة ما امكن.
وفي هذا السياق يؤكد امين عام وزارة البلديات ورئيس بلدية اربد سابقا وعضو مجلس محافظة اربد حاليا المهندس جمال ابو عبيد ان ظاهرة الزحف العمراني ماتزال منتشرة وسط غياب واضح لتشريعات واستراتيجيات تحد منها وتحافظ على الأراضي الزراعية حيث تواجه الأراضي الزراعية في اربد والتي تعد سلة غذاء الاردن فيما لو احسن استغلالها مشكلة الزحف العمراني وتقلص حجم الاراضي الزراعية منها بسبب النمو السكاني الكبير والتنمية العمرانية وكذلك تفتيت الملكية الزراعية الى مساحات صغيرة ساهمت بشكل فعال في تدهور وتقليص الاراضي الزراعية وخاصة ان هذه الاراضي تقع في المناطق المأهولة بالسكان حول مدن وقرى محافظة اربد والتي تمثل افضل الاراضي الزراعية في المحافظة.
واشار ابو عبيد الى انه وكنتيجة للطفرة الاقتصادية والنمو السكاني الذي شهده الاردن بشكل عام ومحافظة اربد بشكل خاص فان التوسع في اي مجال من المجالات الحياتية شهد نموا مضطردا ومستمرا ومواكبا لدخل النمو السكاني مما ادى إلى زحف عمراني كبير على الاراضي الزراعية، ونظرا لزيادة الطلب على الاراضي الزراعية لاقامة المشاريع التجارية والعمرانية فقد ادى الى تقليص مساحات الاراضي الخصبة والتي تقع في حواضر مدن وقرى محافظة اربد وعلى الطرق الرئيسة وكذلك ساهم عدم الاعتناء بالاراضي الزراعية وتركها بتحويلها الى اراض جرداء وكذلك الاستغلال غير الرشيد للأراضي الزراعية والتخطيط العشوائي ادى الى تقليص الاراضي الزراعية امام اغراء ارتفاع اسعارها الى عشرات الاضعاف مقابل انخفاض عوائد الانتاج الزراعي الذي لم يعد كافيا لسد رمق المزارعين وتلبية احتياجاتهم المعيشية فاثروا اللجوء الى بيع الاراض بدل استغلالها.
وطالب ابو عبيد بوضع اسس وقواعد صارمة لحماية الاراضي الزراعية وتحديد استخدامها منها وضع تشريعات وقوانين وضوابط لتنظيم عملية استخدام الاراضي والموارد الطبيعية وبما يخدم عملية التنمية المستدامة والحفاظ على الاراضي الزراعية من التصحر والزحف العمراني وتفعيل قانون استعمالات الاراضي الذي يبين صفة استعمال الأرض.
واكد انه يجب على بلدية اربد الكبرى وباقي بلديات المحافظة عدم منح تراخيص لأبنية سكنية او تجارية او صناعية في المناطق الزراعية التابعة لها كما انه يجب على وزارة الادارة المحلية عدم الموافقة على اقامة اي مشاريع تتعارض مع المخططات الشمولية وقانون استعمالات الاراضي في المناطق الواقعة خارج تنظيم المجالس البلدية وفي موازاة ذلك ايجاد فرص عمل لأبناء الريف وتحسين وضعهم وتطوير مناطقهم للمساعدة في تخفيف الهجرة الى المدينة الى جانب وضع خطط واضحة المعالم تحدد استعمالات الاراضي والتنظيم بعيدا عن الاراضي الزراعية المحيطة بمدن وقرى محافظة اربد وخاصة ان المناطق المنظمة تعتبر كافية ولا ضرورة لإضافة اي احواض جديدة داخل التنظيم وداخل حدود البلديات.
وعزا مدير مديرية زراعة محافظة اربد المهندس علي ابو نقطة بعض اسباب الزحف العمراني على الاراضي الصالحة للزراعة الى انخفاض اسعار المنازل في المناطق البعيدة عن مركز المدن في ظل غلاء وصفه بالفاحش بكلفة واسعارالمنازل داخل المساحات المنظمة داخل مراكز المدن والقرى وما يرافق ذلك من خلل وتفاوت في قيمة الضرائب دفع باتجاه اللجوء الى الاطراف للسكن لاستيعاب النمو والتضخم السكاني الحاصل والرغبة بالابتعاد عن الضوضاء والتلوث البصري والبيئي غير ان الاطراف التي تمدد اليها العمران اصبحت تعاني تلوثا كما هي باقي مناطق اربد.
واشار الى ان كل ذلك ساهم في القضاء على الغطاء النباتي وزيادة نسبة التصحر التي يعاني منها الاردن اصلا لان اقل من 10% من مساحته تعد اراضي صالحة للزراعة غير المروية لافتا الى ان تفتت الملكيات بما فيها الزراعية ساهم بانخفاض مساحة الاراضي الصالحة للزراعة وارتفاع حجم الزحف العمراني عليها اضافة الى عدم كفاية الانتاج الزراعي للمزارع الاردني بسد احتياجاتها كما كان سابقا والتحول من الزراعة الى اوجه اخرى للاستفادة من الارض كعقار معروض للبيع او الاستثمار ساهم بارتفاع حجم البناء التجاري او السكني اضعافا مضاعفة احدث خللا بالنظام البيئي والتنوع الحيوي المرتكز اصلا على الزراعة والاراضي الزاعية التي تشكل موئلا لهذا التنوع.
وقال رئيس فرع نقابة المهندسين الزراعيين في اربد المهندس ماجد عبنده ان سهول حوران (ومن ضمنها سهول اربد) تعد من اخصب اراضي بلاد الشام كونها ذات عمق كبير وتتميز بالخصوبة اضافة الى قدرتها على الاحتفاظ بالماء لأطول فترة ممكنة وقد كان إنتاجها من القمح والشعير والبقوليات يصدر عن طريق بيروت الى اوروبا.
واضاف ان ذلك استمر الى ان حدثت الانفجارات السكانية الذي نتجت عن الهجرات القسرية والزيادة في النمو السكاني الطبيعي والذي أدى بمجمله الى زيادة الطلب على الاراضي لغايات السكن وكان للأسف على حساب الاراضي الزراعية.
ولفت عبنده الى ان عدم وجود قانون يمنع الاعتداء على الأرض الزراعية تسبب بتقسيم تلك الاراضي ضمن تنظيم البلديات الامر الذي انهى عهودا من الانتاج الزراعي في تلك المناطق. وبالرغم من المطالبات للحفاظ عليها الا ان يد التقسيم طالت العديد من الاحواض شرق اربد والتي تعد من اخصب أراضيها وتحولت حقول القمح والعدس الى غابات من الأسمنت والحجارة الصماء.
واستذكر مطالب نقابة المهندسين الزراعيين منذ تأسيسها عام ١٩٦٦ بالحفاظ على الاراضي الزراعية في مناطق المملكة الا ان عدم تمثيلها او تمثيل اي جهة زراعية في مجلس التنظيم الأعلى ادى الى ضياع صوتها ومتطلباتها.
واشار الى انه في عام ٢٠٠٧ صدر نظام استعمالات الاراضي والذي ساهم في الحفاظ على البقية الباقية من الأراضي الزراعية الا ان ذلك لم يكن كافيا فقد حافظ على أراض زراعية محاطة بمناطق سكنية واسكانات تم تحويلها سابقا عن طريق مجلس التنظيم الأعلى.
وبين ان تطوير المشاريع الزراعية بحاجة للمكننة الزراعية وهو غير متاح في المساحات الصغيرة لذلك فان دمج الاراضي وتوحيد الاحواض اولى من تقسيمها وتفتيتها.
ويرى عبنده ان الأراضي المقسمة لغايات السكن كافية لعقود قادمة لذلك لا داعي للتوسع في هذا الأمر كون التقسيم يعني مد طرق وخدمات الماء والكهرباء والهاتف وهذا يحمل الدولة نفقات كبيرة هي في غنى عنها.
ويقول امين سر مؤسسة اعمار اربد المهندس منذر البطاينة ان اراضي اربد (سهل حوران) من أخصب الأراضي الزراعية في الاردن، والتي عرفت بالعقود الماضية (خزان حبوب روما)، حيث كان العمل في الزراعة يكاد يكون هو المصدر الرئيس والوحيد لعيش السكان فيها، وذلك لثلاثة أو أربعة عقود سالفة لكن الرقعة الزراعية تقلصت وبدأت بالتلاشي بسبب الزحف العمراني، وذلك لسببين، الأول يتعلق بغياب التخطيط الحضري لدى البلديات والاجهزة الحكومية المعنية، والثاني يتعلق بالزيادة في النمو السكاني بالاردن والتي تعد من أكبر النسب العالمية، فقد وصلت نسبة النمو خلال السنوات الماضية الى (5.3%) نتيجة للتغيرات الديموغرافية الناشئة من الهجرات السكانية وعلى رأسها اللجوء السوري.
ونوه البطاينة الى ان الدراسات (وعلى رأسها دراسة المركز الجغرافي الملكي للعام 2017) والمتعلقة بالتوسع العمراني لمدينة اربد بين االعامين (1953 – 1999) بينت أن المساحة العمرانية للمدينة تضاعفت بمقدار (46) مرة أثناء فترة الدراسة وبشكل عشوائي وغير مدروس على حساب الأراضي الزراعية شاملاً جميع الاتجاهات كما دلت على أن التوسع غطى الأراضي الزراعية بالمدينة والواقعة بينها وبين جميع القرى المحيطة مثل سال، بشرى، حوارة، ايدون، حكما، وبيت راس.
ولفت الى ان أهم التحديات التي تواجه المدينة في المستقبل هو توسيع رقعة التنظيم، والذي أصبح ملحاً، ولا سيما مع البدء بتنفيذ بعض المشاريع الكبرى (مشروع سكة الحديد، مشروع الطريق الدائري) وما سينجم عنها من طرق شعاعية ستربط وسط المدينة بتلك المشاريع ومرورا بمناطق البلدية المختلفة، وهذا الأمر يدق ناقوس الخطر بضرورة اقرار المخطط الشمولي للمدينة ومناطقها، ويعيد النظر بتخصيص الاراضي المتبقية، بما في ذلك محاولة الابقاء على الاراضي الزراعية، وفي سياق المحافظة على بيئة نظيفة.
وتدلل الارقام الموثقة لدى نقابة المهندسين في اربد على حجم الظاهرة «المشكلة» وسرعة غزو الاسمنت للمساحات الخضراء والزراعية رغم الانخفاض الملموس الذي شهدته خلال السنوات الثلاث الماضية ما بين البناء المقترح والقائم اذ بلغت مساحة البناء عام (2016) 1101100 متر مربع انخفض عام 2017 الى 838536 وعام 2018 الى 287790.
واوضح رئيس فرع النقابة الدكتور احمد الملكاوي ان الاراضي ذات التنظيم الزراعي لا يسمح بالبناء فيها وفق القانون الا بنسبة قليلة من مساحة الارض، لذلك يلجأ مالكو الاراضي الزراعية لانشاء الابنية عليها بدون ترخيص ثم القيام بترخيصها كبناء قائم من البلدية التي لا تقوم بدورها بوقف الانشاءات غير المرخصة.
ولفت الملكاوي الى ان القصور ليس فقط تشريعيا بالسماح بنسبة بناء على القطع الزراعية بل اجرائي يتصل باداء البلديات التي تلجا الى ترخيص الابنية المخالفة لتحصيل ايراد لصناديقها وتقبل بترخيص الابنية بعد انشائها كبناء قائم مخالف وتقوم بتغريم المالك فالغرامة تستخدم للجباية وليس للردع.
واشار الى وجود ثغرات في نظام الابنية المعدل يتم التسلل منها لجهة ترخيص البناء كبناء قائم بعد بنائه بشكل غير قانوني لاسيما في الاراضي الزراعية.
تراجعت مساحاتها من 228 الف دونم الى 160 الفا
الكرك.. العمران قضم أخصب الأراضي وأحالها إلى غابات إسمنتية
الكرك - نسرين الضمور
يغتال الزحف العمراني اخصب الاراضي الزراعية في الكرك، وتتنامى الظاهرة من عام لاخر، لتقضم مساحات صالحة للزراعة، كانت ذات يوم سلال غلال تكفي حاجة سكان المحافظة ويصدر فائضها لمناطق اخرى في المملكة.
ولعل اكثر الزراعات تضررا من الزحف العمراني، الحقلية، التي تنتج محاصيل استراتيجية ابرزها القمح ذو المساس المباشر بقوت المواطن اليومي، فقد تراجعت في مختلف مناطق المحافظة وبشكل مخل مساحات الاراضي الاكثر ملاءمة له.
ويحذر مهتمون بالشأن الزراعي من تحول الاراضي الزراعية الى غابات اسمنت وحجارة، إذا استمر الحال على ما هو عليه، فنفقد ركنا مهما من اركان امننا الغذائي، مؤكدين ضرورة تطبيق قانون استخدامات الاراضي المقر منذ العام 2007 ولم يلتزم به، مشيرين إلى أن التزام القانون يحقق توازنا يراعي مستلزمات التزايد السكاني والتوسع العمراني ويديم الاستفادة من جانب كبير من الأراضي. واقع الحال يشير الى ان اكثر مناطق المحافظة التي تأذت اراضيها الزراعية بالتوسع العمراني ولازالت هي مناطق الثنية وزحوم والغوير والمرج والعدنانية ضمن منطقة بلدية الكرك الكبرى، وربّة والقصر وشيحان في لواء القصر شمال الكرك، ومؤتة والمزار ومناطق جنوب الكرك التابعة للواء المزار الجنوبي، فالسهول الخصبة التي كانت تزنر هذه المناطق تحولت الى مناطق سكنية وتجارية شيدت فيها المباني الطابقية والمخازن التجارية المخصصة للبيع او التأجير، إضافة إلى ما اختزلته المباني من مساحات اخرى دمرت لغايات اقامة الشوارع ومواقف السيارات وغير ذلك من المرافق الخدمية.
ويرى مواطنون ان من ابرز اسباب الزحف العمراني توسيع الحدود التنظيمية للبلديات وعدم اتباع اسلوب التخطيط الاستراتيجي للعمل الزراعي وتفتت ملكية الاراضي الزراعية، وبالتالي تدني مردودها، وهذا كما يقول المواطن محمد المجالي، شجع مالكي الاراضي الزراعية على بيع اراضيهم.
وبين المجالي أن الكثير من المواطنين يسعون إلى ربح مؤثر وسريع، خاصة مع ارتفاع اسعار الاراضي، ما حفز المزارعين الذين وجدوا في بيع اراضيهم لغايات البناء عليها بديلا مغريا عن الاشتغال بالزراعة التي تستدعي جهدا بالغا دون مردود يذكر، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
وبرر علي المبيضين وغيره كثيرون بيع اراضيهم في منطقة شرق الكرك في انهم وجدوا من الافضل لهم تقسيم اراضيهم الى نمر وبيعها للراغبين بالشراء لغايات السكن او لاقامة المحلات التجارية، وشجعهم على ذلك الارتفاع الكبير الذي طرأ على اسعار الاراضي في منطقتهم وهذا يوفر لهم دخولا مالية عالية بدل زراعة «لم تعد تأتي بهمها» وفق تعبيرهم.
وقال احمد الضمور انه واخوته يملكون قطعة ارض بمساحة واسعة كان يستغلها في زراعة المحاصيل الحقلية التي يتراجع مردودها من عام لاخر، مضيفا انه قرب الارض من مناطق النمو السكاني والشوارع المحيطة دفعت لتغيير صفة استخدامها حيث بنى كل واحد من اخوته مسكنا له، وباعوا ما تبقى لمستثمر اقام عليها مخازن تجارية.
ولفت المواطن عبدالله المعايطة الى ان غياب التشريع المنظم لاستعمالات الاراضي ساعد بشكل واضح في تبوير الاراضي الصالحة للزراعة، اذ ان توالي سنوات الجفاف ولاكثر من موسم زراعي وارتفاع كلف الانتاج عوامل ادت الى تراجع الاقبال على زراعة الاراضي والتشجيع على بيعها.
وبين ان منطقة الكرك الجديدة التي كانت يوما ما من اخصب اراضي الكرك الزراعية، تحولت الان الى غابات من الاسمنت والحجارة، فالابنية المقامة فيها تمت بشكل عشوائي متداخل حال دون وجود الشوارع المنتظمة والفراغات اللازمة للاستخدامات العامة اضافة الى عدم وجود اي سمة جمالية في المنطقة.
واشار مواطنون الى ما قالوا انه هدر المال العام اذ تقوم الحكومة بايصال خدمات المياه والكهرباء والطرق الى التجمعات السكانية المقامة عشوائيا، معتبرين ذلك تشجيعا لاخرين لارتكاب ذات المخالفة طالما المحصلة وصول الخدمات، وهذا اسهم بحسب المواطنين في تسارع انتشار التجمعات السكانية العشوائية على حساب الرقعة الزراعية، مطالبين بتطبيق قانون التنظيم المسبق للمدن والقرى لوقف الانتشار العشوائي وانقاذ ما تبقى من اراض زراعية وايجاد تجمعات سكانية منظمة تسهل خدمة سكانها بصورة جماعية وليس فردية.
واشارت دراسة صدرت عن مديرية زراعة الكرك الى تراجع مساحات الاراضي الصالحة للزراعات الحقلية في المحافظة الى (160) الف دونم فيما كانت قبل زهاء خمسة وعشرين عاما ( 228) الف دونم.
وعزت الدرسة اسباب ذلك الى توسيع الحدود التنظيمية لبلديات المحافظة، حيث تشكل مساحة التنظيم داخل حدود البلديات في المحافظة ما نسبته ( 4ر12) % من المساحات الزراعية، فيما تشكل حدود البلديات ما نسبته (30) % من اجمالي المساحات الصالحة للزراعة في المحافظة، وهنا ايضا وفق الدراسة سبب يتعلق بغياب التنسيق بين المؤسسات الخدمية وسوء التخطيط عند تنفيذ مشاريع الطرق والابنية التي تتم في الغالب على حساب الاراضي الزراعية الخصبة.
وأكد مدير زراعة الكرك المهندس مازن الضمور أن التوسع العمراني الأفقي في المحافظة اغتال أجود أراضيها الزراعية التي كانت فجاجها من أخصب أراضي المملكة للغلال الحقلية من قمح وشعير وغير ذلك من الزراعات.
وحذر من مستقبل المحاصيل الزراعية في الكرك، وقال، انه ينذر بالخطر وخاصة محصول القمح الذي تراجعت زراعته بشكل كبير في منطقة غرب ووسط المحافظة التي فيها اراض اصلح ماتكون لزراعة هذا المحصول.
وطالب الضمور باشراك لجان مديرية الزراعة بلجنة التنظيم المحلية في الكرك للاستئناس برأيها بخصوص توسيع الحدود التنظيمية للبلديات، مقترحا ان تقوم الحكومة بمبادلة اصحاب الاراضي الزراعية التي يرغبون بتحويلها الى اراض سكنية او تجارية باراض تابعة لخزينة الدولة بمساحاتها الواسعة في المحافظة، او بيعهم هذه الاراضي باسعار تشجيعية للبناء عليها للابقاء على ارضهم الصالحة للزراعة.
وقال مدير هندسة بلديات الكرك المهندس حاتم نصراوين إن العمل قائم بنظام استخدامات الاراضي الذي يشمل كافة الاراضي الواقعة خارج حدود التنظيم، مشيرا الى ان نسبة كبيرة من الابنية التي تقام على اراض زراعية مملوكة للمواطنين لايوجد تشريع يمنع ذلك، من هنا لابد وجود التشريع المطلوب لضبط الامور، لافتا الى ان البلديات مسؤولة عن الاراضي التي تقع ضمن حدودها التنظيمية بما فيها الزراعية.
وبين ان الابنية التي تقام بشكل مخالف خارج حدود البلديات والتي تقع ضمن مسؤولية مديرية هندسة البلديات لا تمنح رخص انشاء ولا اذون اشغال بما يحول دون وصول خدمات الماء والكهرباء اليها، وهذا ما تعتمده بلديات المحافظة بخصوص الابنية التي تقام بشكل عشوائي فوق الاراضي الزراعية.
وقالت الخبيرة بشؤون تنظيم الاراضي /مديرة هندسة البلديات في الكرك سابقا المهندسة لما المجالي، إن مناطق البلديات توسعت بالتنظيم على حساب الرقعة الزراعية كضرورة املتها طبيعة الحياة التي افرزت نموا سكانيا وعمرانيا مضطردا خاصة داخل وفي محيط المناطق الاكثر اجتذابا للسكان والحركة التجارية.
وتفيد عملية التنظيم كما قالت المجالي في التخطيط المحكم لاقامة المباني السكنية والتجارية من حيث تحديد مسارات الشوارع اضافة الى تحديد مواقع لمتطلبات الخدمات والمرافق العامة، فيما يساعد التنظيم في ازالة شيوع ملكية الاراضي وتسهيل عملية افرازها.
ودعت الى اعداد مخططات تنموية شمولية للمحافظة وبعد دراسات كاملة على ارض الواقع للاستغلال الانسب للاراضي، مشيرة الى انه وبرغم ما يقال عن الزحف العمراني لا زالت لدينا مساحات شاسعة صالحة للزراعة في مناطق المحافظة، والكرة في ملعب المواطن الذي عليه استغلال اراضيه الزراعية والاهتمام بها.
واشارت المجالي إلى أن وزارة الحكم المحلي تولي عملية التنظيم اهتماما كافيا وبالتنسيق مع الجهات المعنية بما يراعي مخططات استعمالات الأراضي التي تأخذ بعين الاعتبار المناطق التنظيمية وتحديد مناطق الاستعمالات بما يتناسب مع طبيعة التربة الزراعية بدرجتيها الاولى والثانية التي تصنف كمناطق زراعية خصبة وان كان هناك اضطرار لتنظيمها فتنظم كسكن ريفي، اما باقي الاراضي فتدخل التنظيم باسم اراض شبه زراعية.
السلط.. تخبط عمراني عشوائي ينذر بكارثة
السلط - لينا عربيات
ما بين عدم تفعيل القانون الذي ينظم البناء على الاراضي الصخرية بدل الزراعية، وتفتت ملكية الاراضي بين العائلات، وزيادة عدد السكان، تبرز معضلة التوسع العمراني العشوائي الذي ادى الى تراجع رقعة الاراضي الزراعية.
وتبين احصائيات وزارة الزراعة وفق مدير دائرة الاراضي والري الدكتور محمود فريحات، ان نسبة تراجع مساحة الاراضي الزراعية في المملكة منذ العام 1997 إلى 2017 بلغت 46,9 %.
وبين ان مساحة الاراضي الزراعية في الأردن كانت 2,892,100 دونم لتنخفض في العام 2017 الى 1,533,796 دونما، لافتا الى ان مساحة الاراضي التي زحف إليها العمران بلغت في العام 2017 نحو 1,358,304 دونمات، ما ينبئ بكارثة ستعمل على تآكل الاراضي الزراعية لصالح التوسع العمراني العشوائي.
وطالب فريحات بتفعيل قانون استعمال الاراضي من خلال منع التوسع العمراني على حساب الاراضي الزراعية، إضافة إلى اعتماد المخطط الشمولي التنموي من قبل البلديات، مبينا ان وزارة الزراعة حصرت الموارد الزراعية وعملت خرائط تبين استخدام الاراضي الزراعية وغير الزراعية.
ولفت إلى أن الوزارة صنفت الاراضي حسب القدرة الانتاجية، باستخدام نظام تصنيف التربة والاراضي المعتمد من وزارة الزراعة الاميركية، إضافة الى النظام المعتمد من منظمة الاغذية والزراعة في الامم المتحدة.
واكد ان تراجع مساحة الاراضي الزراعية افضى الى تأثيرات سلبية كبيرة على الامن الغذائي، الأمر الذي ساهم في الاعتماد الكلي على استيراد المواد الغذائية، موضحا ان الاراضي الزراعية في الاردن منتجة للحبوب والبقوليات والزراعات البعلية واللوزيات والعنب والزيتون وغيرها الا ان التوسع العمراني لعب دورا في اضمحلال الزراعة.
من جانبه بين مدير زراعة البلقاء المهندس يوسف عربيات ان مساحة الاراضي الزراعية في المحافظة تصل الى 794,285 الف دونم منها 185 الف دونم بمناطق السلط و97 الف دونم في عين الباشا و96 الف في ماحص و110 آلاف دونم بالشونة الجنوبية، في حين تبلغ مساحة الاراضي الزراعية في دير علا 85 الف دونم وفي قضاء عيرا ويرقا 104 آلاف دونم والعارضة 92 الف دونم اما في منطقة زي تبلغ 66 الف دونم.
وقال ان نسبة التراجع في الاراضي الزراعية في محافظة البلقاء وصلت الى 10 % خلال العشر سنوات الاخيرة لصالح التوسع العمراني، مؤكدا ان عدم تفعيل قانون استخدام الاراضي لعب دورا كبيرا في التوسع العمراني على حساب الاراضي الزراعية، بالاضافة الى تفتت ملكية الاراضي بين افراد العائلة الواحدة.
وأشار الى ان التوسع في انتشار الخدمات ساهم في عمليات البناء العشوائية بمختلف المناطق الزراعية، اضافة الى الزيادة في عدد السكان نتيجة الزيادة الطبيعية او القصرية (اللاجئين)، في حين ان العوامل المناخية التي ادت الى تراجع الامطار اثرت بشكل سلبي على الزراعات البعلية بالاضافة الى قلة مصادر المياه.
وطالب بضرورة اعتماد البناء في الاراضي الصخرية بعيدا عن الاراضي الزراعية وعدم اعطاء تراخيص للبناء من قبل البلديات الا بعد دراسة طبيعة الارض للحفاظ على المساحة الزراعية.
واوضح رئيس بلدية السلط الكبرى المهندس خالد الخشمان ان اي بناء يتم إما في مواقع داخل التنظيم (داخل حدود البلدية)، أو في مواقع خارج التنظيم (داخل حدود البلدية) أو خارج التنظيم (وهي ليست من مسؤولية البلدية انما اللجنة اللوائية) مشيرا الى ان القانون يفيد بانه يحق لاي مواطن البناء في قطعة الارض الخاصة به، مؤكدا ان البلدية تعمل ضمن احكام التنظيم في حين تعطى الاحكام الخاصة للبناء بحدود ضيقة.
واكد ان مراقب الابنية في بلدية السلط يضبط عملية البناء العشوائية خاصة ان الدراسات والتنظيم تسبق البناء، مشيرا الى ان نظام الابنية الجديد حد من عملية البناء دون تراخيص او حدوث تجاوزات في البناء العشوائي لان الرسوم اصبحت اربع اضعاف.
وبين ان مساحة بلدية السلط الكبرى تبلغ 119,092 كيلو متر مربع تصل مساحة المنظم منها إلى 56,38 كيلو متر مربع حيث تصل النسبة المئوية من مساحة الاراضي التابعة للبلدية إلى 47,34 % وفق احصائيات العام 2018، مبينا ان بلدية السلط الكبرى اعطت موافقات تراخيص بناء لـ 5702 معاملة منذ بداية العام.
واكد مدير اشغال البلقاء المهندس ماهر خريسات ان عمليات البناء العشوائية بمحافظة البلقاء تزيد الاعباء المالية على اشغال البلقاء خاصة الابنية الواقعة في الاراضي الزراعية للحاجة لفتح طرق.
وطالب ان تكون عمليات البناء منظمة ضمن تجمعات بعيدا عن الفردية، مؤكدا ان غياب التنسيق بين الجهات المعنية يلعب دورا في التخبط العمراني.
لا قوانين صارمة تكبح جماح زحفها و«الزراعة» تبحث عن دورها
جرش.. الكتل الخرسانية تتمدد أفقيًا وتلتهم البقع الخضراء
جرش - فايز عضيبات
شكل الزحف العمراني على الاراضي في العقدين الاخيرين أحد ابرز اسباب تراجع القطاع الزراعي في جرش التي تعد من اهم المحافظات الزراعية على مستوى المملكة.
وادى إلى تدني إنتاجية المحاصيل المختلفة التي تشتهر بها المحافظة، فقلت مساحة الأراضي الزراعية بشكل كبير، وإذا استمر بهذا الشكل، سنجد بعد عدة سنوات الأراضي جميعها تحولت إلى عمران، فاقدة للعناصر العضوية الضرورية لنمو النبات.
وأكد مختصون ان غياب التشريعات الناظمة لاستعمالات الاراضي الزراعية ساعد بشكل كبير تمدد الكتل الخرسانية على حساب الزراعة، مشيرين إلى مناطق مختلفة في المحافظة شيدت عليها مبان خفضت من المساحات الزراعية، وابرزها في سوف والجبال المحيطة بمدينة جرش ومنطقة العبارة والرشايدة والبركتين مطالبين بضرورة الحفاظ على الغطاء النباتي.
ووفق مهتمين فإن عملية توزيع التركات وقلة الحيازات الزراعية وحاجة المواطنين لمنازل أدت الى تخفيض المساحات الزراعية وتنشط الحركة العمرانية في جرش بسبب هجرة الالاف من ابناء القرى المجاورة اليها واعتدال اجوائها ووجود بنية تحتية جيدة فيها قياسا بالقرى المجاورة، اضافة الى طابعها السياحي وتوفر الخدمات وقربها من العاصمة، ويسر المواصلات الى عمان، علما ان عدد سكان المحافظة يبلغ نحو ربع مليون نسمة.
ودعا عضو مجلس المحافظة احمد هاشم العتوم الى ضرورة وضع أسس وقواعد لحماية الاراضي الزراعية وتحديد الاستخدام ووضع تشريعات وضوابط لتنظيم عملية استغلال الاراضي والموارد الطبيعية بما يخدم عملية التنمية المستدامة والحفاظ عليها من التصحر والزحف العمراني.
وطالب وزارة الزراعة باعداد دراسات واجراء مسوحات ميدانية لتحديد الاراضي الصالحة للزراعة (من حيث نوعية الزراعة سواء كانت شجرية او محاصيل) لان ذلك يساعد في تحديد المتطلبات العلمية والعملية للزراعة الحديثة والتخطيط السليم لاستثمار الأرض بشكل جيد وتحديد افضل الوسائل لتطوير استغلال الاراضي الصالحة للزراعة وانجاز أطلس عام للتربة الذي يوضح التوزيع الجغرافي لموارد التربة في المحافظات.
وأشار رئيس اتحاد المزارعين في جرش ابو نادر قوقزة الى التطور الذي شمل النواحي العمرانية والصناعية والتجارية، الا انه لا وجود لقوانين لحماية الرقعة الزراعية، ما أسهم في ضياع مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية المنتجة، داعياً الى استحداث قوانين جديدة للحد من هذه الظاهرة من خلال نشر الوعي البيئي.
ويرى رئيس مجلس محلي سوف محمود عضيبات أنه ليس هناك تعاون بين الجهات ذات العلاقة للحد من المشكلة، مشيراً إلى عدم وجود قوانين في هذا الجانب عدا بعض التشريعات التي عدّها غير رادعة، مشيرا إلى أن التوسع العمراني في المحافظة اصبح واقعا ولا بد من مواجهته من خلال التنظيم الشامل للأراضي الذي يسبق تقديم الخدمات لها، وإدخالها حيز التنظيم وتحديد مساحات البناء في الأراضي الزراعية.
الناشط البيئي محمد ليحو اكد ضرورة ايجاد تشريعات وانظمة صارمة تحدد استعمالات الاراضي ومنع استعمال الاراضي الزراعية لغير الزراعة، لافتا الى أن البلديات تتهاون كثيرا مع البناء على الاراضي الزراعية وتتهاون في تنظيمها واحيانا تخلع مئات الاشجار من اجل فتح شارع.
وأوضح أن الزراعة تسهم في تفعيل عجلة التنمية الريفية المتكاملة من خلال إيجاد فرص عمل وتحسين دخل أبناء الريف، فهي بالضرورة ستؤدي إلى وقف الهجرة للمدن، كما انها تحل جزء من مشكلتي البطالة والفقر في الأرياف.
وقال المزارع محمود الحوامدة ان الزراعة تساهم على الصعيد الاجتماعي في زيادة دخول الأسر الريفية من خلال مشاركة المرأة في إدارة المشروعات الأسرية الصغيرة وتربية المواشي والصناعات الريفية الزراعية، إضافة إلى توفير فرص عمل ومصادر دخل اضافية للسكان، وهي عوامل تسهم في الحد من هجر الريف، وتجنب المدن مزيداً من الضغوط على الخدمات فيها.
وقال مدير تعاون جرش المهندس الزراعي عمر الفقيه ان النمو السكاني والتنمية العمرانية ساهما بشكل فعال في تقليص الأراضي الزراعية والزحف عليها خصوصا ان هذه الاراضي تقع في المناطق المأهولة بالسكان وفي المدن ومراكز الخدمات وتتركز مساحة الاراضي الصالحة للزراعة حول المدن التي تمثل افضل المساحات المزروعة بالمحافظات.
وطالب بتفعيل قانون استعمال الاراضي ومتابعة تنفيذه من قبل الجهات المعنية بالامر وتوجيه الاستثمار والبناء الى الاراضي المجدبة التي لا تصلح للزراعة.
وقال إن الاعتداء على الاراضي الزراعية في جرش لا يؤخذ بعين الاعتبار، وان اكثر ما تطالب به البلدية هو ترك التهوية القانونية، بينما تركز مديرية الاثار على عدم وجود مناطق اثرية، داعيا الى اهمية ان تكون هناك مخططات لاحواض زراعية بعينها تمنع اقامة الكتل الخرسانية فيها ويسمح بالتوسع العامودي للابنية بحيث يسمح ببناء طوابق متعددة اذ لا يسمح القانون الحالي سوى ببناء اربعة طوابق.
وأكد مدير زراعة جرش المهندس خالد الشوبكي ان استعمالات الأراضي لاتحافظ على الرقعة الزراعية، مشدداً على ضرورة وجود قانون صارم وحازم يحدد استعمالات الأراضي.
وطالب بضرورة ايجاد دور لوزارة الزراعة بهذا المجال لمنع البناء في الأراضي الزراعية، داعياً إلى ضرورة وجود معايير فنية زراعية لتحديد قدرات الأراضي الزراعية للمحافظة عليها.
واضاف ان القطاع الزراعي يواجه تحديات كبيرة مثل المياه، وخاصة في سنوات الجفاف وعدم جدوى زراعة بعض المحاصيل ومنها الزيتون نظرا لتذبذب انتاجه وحاجته الى الايدي العاملة الكثيرة، مشيراً الى انه من اجل ايقاف الزحف العمراني لابد من ايجاد البديل.
وأشار مصدر من مديرية الشؤون البلدية في محافظة جرش الى ان ترخيص الابنية في الاراضي الزراعية يتم بعد الكشف الحسي على الموقع من قبل المعنيين في المديرية، ودراسة طلب الترخيص المقدم ومدى مطابقته للقوانين والانظمة، وهناك تشريعات تمنع تعدد الابنية على القطعة الواحدة من الاراضي الزراعية ويسمح ببناء واحد فقط وما نسبته 5 % من مساحة القطعة.
وأكد المصدر ان المديرية تقوم بتفعيل دور رقابي على الابنية واتخاذ الاجراءات القانونية بحق المخالفين استنادا لقانون المدن والقرى رقم 9 7 لسنة 1966 وتعديلاته التي حددت طبيعته المخالفة وكيفية معالجتها.
عجلون.. البناء يزحف على حساب مزارع الزيتون والعنب
عجلون - علي فريحات
تشكل ظاهرة الزحف العمراني في محافظة عجلون مشكلة تؤثر سلبا على الاراضي الزراعية وتحد من التنمية وسط غياب واضح لتشريعات واستراتيجيات تحد من هذه الظاهرة وتحافظ على الرقعة الزراعية.
وعلى الرغم من التطور الذي شمل النواحي العمرانية والتجارية الا انه لا وجود لقوانين تحمي الرقعة الزراعية، ما أسهم في ضياع مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية المنتجة، وهو ما يستدعي أيضا نشر الوعي البيئي للحفاظ على الأراضي الزراعية والحد من التمدد الأفقي العشوائي للبناء.
واكد عدد من المهتمين بالشأن البيئي والمختصين والمزارعين ضرورة وضع ضوابط لحماية الاراضي الزراعية من الزحف العمراني من خلال إيجاد او تفعيل قانون استخدام الأراضي الزراعية وتحديد الموقع الذي يمكن ان تغير فيه صفة الاستعمال، وعدم منح مخططات سكنية او تجارية او صناعية الا بعد موافقة وزارة الزراعة وخصوصا ان المحافظة تتمتع بميزات نسبية طبيعية وبيئية وزراعية وتحتاج الى حمايتها والحفاظ على الوجه الحضاري لها.
وبينوا ان تراجع المساحات الزراعية سببه تفتيت الملكية الزراعية الى مساحات صغيرة الامر الذي أدى الى صعوبة استغلالها من الناحية الاقتصادية وبالتالي إهمالها، اضافة الى التشريعات التي تسمح بتقسيم الوحدات الزراعية خارج حدود التنظيم الى مساحات صغيرة.
وقال مدير منطقة راجب المهندس بسام عزبي ان النمو السكاني والتنمية العمرانية اديا الى تقليص مساحات الأراضي الزراعية من خلال لجوء أصحاب المشاريع التجارية وعدد من المواطنين الى البناء عليها.
واشار عضو جمعية البيئة حسين علي عواد إلى ان غياب التشريعات المنظمة لاستعمالات الأراضي الزراعية ساهم في تمدد الكتل الخرسانية على حساب مزارع الزيتون والكرمة والعنب الأمر الذي يؤكد الحاجة الى ضرورة الحفاظ على الغطاء النباتي.
وبينت رئيسة جمعية عجلون الخضراء للتنمية المهندسة ابتهال الصمادي ان قلة الوعي وسهولة الإجراءات بمنح رخص البناء ساهم في ضياع الأراضي الزراعية، مشيرة إلى ان التوسع العمراني في المدينة أصبح واقعا ولا بد من مواجهته وتحديد مساحات البناء في الأراضي الزراعية.
واكد مدير محمية عجلون عثمان الطوالبة ضرورة وجود قانون صارم وحازم يحدد استعمالات الأراضي ويمنع البناء في الأراضي الزراعية، داعياً إلى ضرورة وجود معايير فنية زراعية لتحديد قدرات الأراضي الزراعية للمحافظة عليها.
واشار مدير الابنية الحكومية في المحافظة المهندس احمد فريحات إلى ضرورة البناء داخل حدود التنظيم بشكل يراعي عدم التأثير على الاراضي الزراعية وخصوصا ان المؤشرات تدل على ان هناك تزايد في النمو السكاني الذي يؤدي الى زيادة الطلب على انشاء المباني.
وقال مساعد مدير البيئة المهندس محمد فريحات ان من اكبر التحديات التي تواجه البيئة في عجلون الزحف العمراني على ما تبقى من مساحات خضراء، خاصة من قبل أصحاب الأراضي المجاورة للغابات والاعتداء على الأراضي الحرجية بالبناء او فتح المقالع.
وبين ان الجهود التشاركية من قبل مختلف الجهات وخلال السنوات الثلاثة الماضية أثمرت عن إزالة تعديات المقالع على هذه الأراضي.