كتبت - نسرين الكرد
«المقر» هذا المصطلح دائما قريبا من الأردنيين. فلطالما كان هو الملجأ الإنساني والمطبخ السياسي ومبعث الاستقرار والطمأنينة لهم.
إنه قصر رغدان العامر.. البيت الهاشمي الأول فوق ذرى عمان المنحوت بلون الصخور ساعة الغروب.
ارتبط هذا القصر المهيب عند الأردنيين بأنه مقر الحكم وبيت السياسة الذي تصدر منه قرارات الدولة والإرادات الملكية، ومازال لغاية اليوم مقصدا للأردنيين، ففيه يستمع جلالة الملك الى رد مجلس الأمة على خطاب العرش علاوة على احتضانه للمناسبات الوطنية، وقبول أوراق اعتماد السفراء في المملكة و مازال يستقبل فيه زوار الدولة من وفود رسمية.
وما أن يطل الزائر على باحة القصر من خلال بوابة حديدية ضخمة يعلوها التاج الملكي حتى ينتاب الزائر مشاعر العز والافتخار لما يمثله هذا القصر المتاح أمام طلبة العلم والوفود المحلية والخارجية بقرار من جلالة الملك منذ عام 2002 ليعطيهم لمحة عن تاريخهم ومستقبل الاردن.
يستشعر الزائر لقصر رغدان العامر عظمة المكان في كل ركن من أركان القصر ليس لروعة التصميم فقط وإنما لأهمية المناسبات والأحداث التي شهدها ليخلد في ذاكرته صورة منسوجة بأحرف من ذهب لمسيرة عطرة خلدها الملوك الهاشميون منذ تأسيس الإمارة الى يومنا هذا.
تبقى ذكرى زيارة قصر رغدان محفورة في قلب كل زائر لا يمكن نسيانها لما لها من هيبة الوقوف بين باحات القصر الذي احتضن أحداثا تاريخية من استقلال الأردن عام 1946 الى مراسم تسلم جلالة الملك عبد الله الثاني سلطاته الدستورية في عام ١٩٩٩.
ولم يكن من باب الصدفة أن يحمل هذا القصر اسم رغدان فقد قالت العرب قديما لكل مسمى من اسمه نصيب وقد اختار سمو الامير عبدالله الاول ابن الحسين الذي بني القصر في عهده اسم رغدان لهذا القصر تيمنا بالرغد والهناء وكمبعث للأمل والتفاؤل.
بينت الوثائق الرسمية أن قصر رغدان العامر قبل بناء قصر بسمان أطلق عليه عدة مسميات تغيرت وتبدلت مع تطور الدولة الأردنية الى أن استقرت التسمية على الديوان الملكي الهاشمي ليعطي هذا المسمى شمولية أكثر بحيث يضم القصور الملكية وما يتبع لها من دوائر إدارية وتنظيمية ليكون هو بيت الحكم.
وعلى مدى (95) عاما من الزمان كان قصر رغدان العامر شاهدا على تاريخ يصنع المستقبل لكثير من الأحداث التاريخية المهمة وهو شاهد حي على مراحل تأسيس وتطور الدولة الأردنية بقيادة ملوك بني هاشم جيلا بعد جيل لتصل الراية خفاقة الى جلالة الملك عبد الله الثاني،معزز البنيان، وراعي النهضة الحديثة وحامي الأقصى والمقدسات.
يعتبر قصر رغدان العامر اول القصور الملكية في عمان. بدأ بناؤه عام ١٩٢٤ وأخذ عمارته من الحضارة الإسلامية ذات الطابع المعماري الذي يجمع بين الجمال والروحانية حيث تمتلىء جدرانه وسقوفه بأنواع الزخرفة والنقوش والرسوم والخط العربي.
بني القصر من الحجارة ذات اللون الوردي التي نقلت من أرض معان مقر الأمير الأول فتم البناء على يد أمهر المعماريين من دمشق والقدس ونابلس خلال ثلاث سنوات، إذ اكتمل بناؤه في عام ١٩٢٧.
لم تتجاوز تكلفة البناء وقتذاك ١٦٠٠ جنيه، أسهم سمو الأمير عبد الله الأول ابن الحسين بـ ٧٠٠ جنيه حسمت بواقع ١٠٠ جنيه شهريا من مخصصاته. وبعد الانتهاء من بناء القصر قامت بلدية عمان خلال الأعوام ١٩٣١-١٩٣٤ بزراعة الأشجار الحرجية بالمنطقة التي تحيط بالقصر.
ومن باحاته انطلقت مسيرة العز والمجد بمراسم الاستقلال في ٢٥ أيار عام ١٩٤٦ التي تمت في قصر رغدان العامر وتتم فيه مراسم تتويج الملوك الهاشميين، إذ تمت فيه في التاسع من حزيران عام ١٩٩٩ مراسم الاحتفال بجلوس جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين على العرش، وكان جلالته قد أدى اليمين الدستورية في السابع من شباط عام ١٩٩٩ أمام مجلس الأمة.
كما يتم فيه أداء اليمين الدستورية للحكومات الأردنية، وما قد يصاحبها من تعديلات وزارية أمام جلالة الملك.
وبعد إلقاء جلالته خطاب العرش السامي في مجلس الأمة يقوم المجلس بالرد على الخطاب ضمن مراسم تستضيفها قاعة العرش في قصر رغدان العامر.
وتعتبر قاعة العرش من أبرز قاعات القصر التي تستضيف أهم المناسبات والأحداث، وتتميز بروعة تصميمها وزخارفها الجميلة وسقفها العالي الذي تتداخل فيها الرسومات لتشكل لوحة بديعة من الفن العربي الأصيل.
تجرى في قصر رغدان العامر مراسم تقبل التهاني بالأعياد الدينية مثل عيد الفطر، وعيد الأضحى، والاحتفال بالمناسبات الوطنية مثل عيد الاستقلال الذي يقام بالرعاية الملكية السامية يتخلله منح الأوسمة الملكية الرفيعة لشخصيات متميزة.
ومن الاحتفالات المهمة التي شهدها القصر الاحتفال بقرار تعريب قيادة الجيش العربي على يد جلالة الملك الحسين بن طلال في الأول من آذار عام ١٩٥٦.
وفيه أيضا يحتفل بميلاد الملوك الهاشميين وجلوسهم على العرش ففي الثلاثين من كانون الثاني ٢٠١٢ تم الاحتفال باليوبيل الذهبي لميلاد جلالة الملك عبد الله الثاني، وتخلل الحفل رفع علم اليوبيل الذهبي الخاص بالمناسبة.
وكان قصر رغدان شاهدا أيضا على مواقف ومشاهد كان بعضها حزينا ومؤلما لجميع الأردنيين مثل مراسم وداع المغفور لهم الشريف الحسين بن علي، والملك المؤسس عبد الله الاول ابن الحسين، والملك طلال بن عبد الله، والملكة زين الشرف، والملك الحسين بن طلال رحمهم الله جميعا.
ومنذ تسلم جلالة الملك عبد الله الثاني سلطاته الدستورية في عام ١٩٩٩ حرص على استكمال وتعزيز مسيرة البناء والإصلاح، فوضع جلالته رؤية شاملة لإرساء مبادئ الحياة الكريمة، وتعزيز المشاركة الديمقراطية وتحقيق العدالة والمساواة والنزاهة وسيادة القانون.
ورأى قصر رغدان بعضا من الخطوات الإصلاحية التي قام بها جلالة الملك عبد الله الثاني ومن أبرزها تكليف جلالته عددا من اللجان بهدف الإصلاح، فاحتضن القصر اجتماعاتها ومناقشاتها ومنها اللجنة الملكية لمراجعة الدستور عام ٢٠١١ واللجنة الملكية لتعزيز منظومة النزاهة الوطنية عام ٢٠١٢ واللجنة الملكية لتطوير الجهاز القضائي وتعزيز سيادة القانون عام ٢٠١٦.
قصر رغدان.. الشاهد الماثل في حضرة التاريخ
12:00 30-6-2019
آخر تعديل :
الأحد