التنبّؤ بمصائر الشعوب والحضارات أو مستقبل الدول والامبراطوريات ليس جديداً في التاريخ وهو بالطبع لا يعني التنجيم أو الرجم بالغيب ! فقد وضع له مؤرخون كبار وفلاسفة عظام قواعد وأسساً قد تصيب وقد تخطئ، ومن هنا فمن المجازفة مثل تبنَي ما قاله عالمنا الاجتماعي الكبير ابن خلدون عن اسباب انهيارالامبراطورية الرومانية للتكهن بقرب انهيار امبرطورية عصرنا أميركا دون إمعان النظر في اختلاف انظمتهما الاقتصادية والسياسية وفي أن ظروف العالم من حولهما قد تغيرت لدرجة هائلة بمرور خمسة عشر قرناً، وهناك خشية من إن مثل هذه المقارنة والركون إليها قد تؤدي إلى الاسترخاء وتمييع نضال شعوب العالم وهي تواجه شرور الامبراطورية الراهنة!
لعل الماركسية من احدث الفلسفات الاقتصادية التي غاصت في بحث التطور التاريخي للمجتمعات البشرية منذ بدء الخليقة وقسمته استناداً لمبدأ امتلاك وسائل الانتاج الى مراحل خمس،فبعد مرحلة عصر المشاع البدائي تتابعت عصور العبودية فالاقطاع فالاشتراكية وصولاً آخر المطاف الى الشيوعية حيث تملك الدولة كل تلك الوسائل وحيث دكتاتورية الطبقة العاملة! وعندما قامت الثورة البولشفية في روسيا (1917) وارست قواعد الدولة الاشتراكية الكبرى استعجل المنظِّرون في التبشير (التنبؤ) بالمرحلة التالية وقرب انتشارها الى كل انحاء العالم، كما اخطأوا في تحديد زمن انهيار الانظمة الرأسمالية في اوروبا للاسباب التي عددها ماركس وانجلز كازدياد حدة الصراع الطبقي والازمات الاقتصادية العالمية الدورية التي تقوّض بشدتها وهولها اغنى واقوى الدول فقد قاومت رأسمالية اميركا بضراوة وساندت باقي اقتصادات العالم واستطاعت معها وبها عدة مرات خلال اقل من مئة عام ان تنقذ نفسها وحليفاتها من مصيرمفترض لا بل انها على العكس من ذلك نجحت في جر الاتحاد السوفيتي ودول الكتلة الاشتراكية في أوروبا إلى سباق التسلح الذي انهكها واستنزف اقتصاداتها وأدى إلى انهيارها المدوي منذ عام 1989 !
وبعد.. لا أقصد أن اخطّئ المتنبئين فذلك غير مجدٍ، إنما أقصد حث الباحثين الجدد على إعادة النظر جيداً واستنباط قواعد اخرى كي تاتي النتائج أقرب إلى الواقع، كما أني لا أتفق مع فلاسفة عصرنا من أمثال «فوكوياما» الذي قال بأن الرأسمالية قد ترسخت في التاريخ كنظام اقتصادي (سياسي) أَمْثَل وانها هي المرحلة النهائية في تطور المجتمعات البشرية! و«صامويل هنتنغتون» الذي تكهن بصراع الحضارات والأديان بدل صراع الطبقات والحروب الاستعمارية التوسعية من اجل الاسواق !ولا يملك أحد في هذه الدوامة المتزايدة التعقيد أن يتجاهل تجربة الصين الحديثة التي تجاوزت كل التوقعات!
مواضيع ذات صلة