«طفلي كثير الصمت في المدرسة وأمام الغرباء رغم أنه لا يعاني من مشاكل في النطق أو صعوبات التعلم ويتحدث بطلاقة في المنزل»، تساؤلات متكررة من قبل الآباء والأمهات عن أسباب هذه المشكلة وهل يوجد علاج لها، وكيفية التعامل معها.
تعرّف المستشارة النفسية سهير الخطيب الصمت الاختياري بأنه: «مشكلة نفسية كنوع من القلق والرهاب أو الخجل الاجتماعي للأطفال، حيث يصابون بالصمت خارج أسرهم وفي مواقف معينة بالمدرسة أو مواقف اجتماعية ومع أشخاص غير مألوفين لديهم ولا يستطيعون حتى الاختلاط مع غيرهم».
وتقول أخصائية النطق والسمع الدكتورة سميرة أحمد الزيود: «إن صمت الأطفال الاختياري لا يتعلق بأي اضطراب من اضطرابات النطق واللغة ولا يعود لأي سبب فسيولوجي أو عضوي (كخلل في الخلايا الدماغية أو خلل في الجهاز السمعي أو العصبي)؛ والسبب الحقيقي يعود لأسباب نفسية وبيئية بالدرجة الأولى».
وتلفت إلى أنه: «قد يرجع صمت الأطفال الاختياري للبيئة المحيطة بالطفل والتي لا تقتصر على الأسرة بل تمتد للمدرسة والبيئة الصفية والحي والسوق».
وتشير دراسة صادرة عن أكاديمية الطب النفسي للأطفال والمراهقين في الولايات المتحدة، إلى أن: «من أسباب الصمت الاختياري للأطفال وجود نوع من الفوبيا (الخوف) الاجتماعية التي يصاب بها المريض، ويمكن تمييز الطفل المصاب في حال زادت مدة ابتعاده عن الآخرين لأكثر من شهر».
وتوضح الزيود أن: «العلاج يكمن بمعرفة السبب الحقيقي، فمثلا لو كانت البيئة المحيطة للطفل هي المثير والمحفز لمثل هذا السلوك عند الطفل فإننا نقوم بعمل خطة تعديل سلوك للطفل، أما إن كان السبب نفسيا، فلابد من خطة علاج من فريق متعدد التخصصات كالمرشد النفسي وأخصائي النطق واللغة و أخصائي تعديل السلوك ومعلم التربية الخاصة».
وتشير إلى أنه:«في كلتا الحالتين يجب أن لا نغفل عن دور الأسرة كعامل أساسي لتطوير مهارات اللغة لدى الطفل ومهارات التفاعل الاجتماعي لإنجاح الخطة التي أعدها فريق متعدد التخصصات ».
وتوضح د. الزيود أن الصمت الاختياري لبعض الأطفال في المدارس يعود لأسباب عدة منها ضعف التحصيل الأكاديمي، وحالات التنمر بين الطلبة في المدارس، والخوف من بعض المعلمين أو الهيئة الإدارية في المدرسة. وتضيف: «قد لا يتعلق الأمر على الإطلاق بأسباب مدرسية بل بأسباب أسرية من أهمها العنف والتفكك الأسري، والمشكلات المجتمعية الحاصلة في الوقت الحالي».
ويقول التربوي والمرشد النفسي محمد أحمد حجازي من مدرسة سحاب الثانوية الشاملة للبنين: «لابد من تعليم الطفل المهارات الاجتماعية وذلك عن طريق استراتيجية التعزيز والتدعيم حيث تقوم فكرة هذه الاستراتيجية على تحريك الطفل باتجاه الانخراط في أي نشاط اجتماعي، إلى جانب استخدام نظام المكافآت القائمة على مبدأ النقاط، ويجب أن ننتبه بأن يكون التعزيز مباشرا ومتنوعا».
ويدعو حجازي إلى: «اتباع أسلوب النمذجة، حيث يقوم هذا الأسلوب على إعطاء تعليمات معينة عن نشاط من قبل الأهل او المدرسة ونقوم بعدها بتقديم معلومات عن تطبيق هذا النشاط والمهم هو تكرار السلوك ونمذجته أي تجسيد الأهل له».
ويشير حجازي إلى أن: «هناك استراتيجيات سلوكية تظهر عن طريق التقليل التدريجي لحساسية الطفل من مشاركة الجماعة، وتكون بتعريضه لمواقف اجتماعية، بصورة تدريجية يستخدم فيها التخيل والاسترخاء، ومن ثم البدء بخطوات عملية حتى تظهر علامات التفاعل الاجتماعي».
ويبين أن: «هناك استراتيجية الافاضة، حيث نعرض الطفل لبعض المواقف بشكل مباشر مع الحرص على أن يكون التعريض مناسبا لسنه وعمره مع التعزيز المستمر له لإعطائه ثقة كبيرة ولا ننسى اهم استراتيجية، وهي العلاج باللعب».
وتشير الخطيب إلى: » أهمية أن يمارس الطفل الرسم وتحفيزه على قراءة القصص بصوت عال لتخطي هذا السلوك بسرعة». وتؤكد: «اهمية دور الأسرة في منح الطفل مزيدا من الدعم ورفع معنوياته بالتشجيع اللفظي، ومنحه مزيدا من المحبة والحنان والرعاية والاطمئنان لإعادة ثقته بنفسه ليتجاوز هذه المرحلة الصعبة خطوة.. خطوة ».
وتبين د. الزيود أن: «التكنولوجيا الحديثة سلاح ذو حدين نجد بعضها يخدم الأمهات ومعلمات رياض الأطفال باكساب الصغار المعرفة وزيادة الحصيلة اللغوية على المستويين الاستقبالي والتعبيري وتستخدم هذه التكنولوجيا كتنويع في أساليب إعطاء المعلومة للطفل و كنوع مثير وشيق ومحبب لديه».
وتضيف انه :«إذا لم تضبط آلية استخدام الأطفال للتكنولوجيا الحديثة مثل (الآيباد واللاب توب، والبلاي ستيشن، والتلفاز و الهواتف النقالة وغيرها) بوضع استراتيجية محددة وواضحة لاستخدامها صباحا ومساء، فإن ذلك سيعود بنتائج لا تحمد عقباها لما لها من أثر سلبي على سلوكياتهم وخصوصا في إطار التفاعل الاجتماعي مع الآخرين وتأخر اللغة التعبيرية، وأسباب أخرى تتعلق بالجهاز العصبي لديهم وقدرتهم على التركيز والانتباه والتذكر، والتخيل».
وتدعو د. الزيود إلى: «ضرورة عدم السماح للأطفال في السنوات الخمس الأولى بكثرة استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة نظرا لأهمية هذه المرحلة العمرية في اكتساب اللغة، وتنمية المهارات الحركية والعقلية، والتطور النمائي السليم، كما أنه لابد من مراعاة ضبط الوقت الذي يقضيه الطفل منشغلا بها، بحيث لا يكون لعدة ساعات متواصلة بل يعطى حسب برنامج الطفل اليومي». وتؤكد: «أهمية جعل هذه الوسائل الحديثة أداة تعزيز للطفل عند قيامه بسلوك إيجابي معين بحيث لا تكون متاحة له في جميع الأوقات».