كتاب

العرب و«جينات» الديمقراطية!

لم يكتب لتجربة ديمقراطية عربية أن تكتمل، إلى درجة أن البعض صار يشكك بأن «الجينات العربية»، لا تتقبل الممارسة الديمقراطية وهي تتفاعل «غريزيا» مع الاستبداد والثقافة الأبوية، وهذا الكلام غير علمي ويتنافى مع الطبيعة الإنسانية!

وأمامنا نموذجان طازجان يمكن المقارنة بينهما، الأول الانتخابات المحلية في تركيا، التي أجريت الاسبوع الماضي، وخسر فيها الحزب الحاكم «العدالة والتنمية» رئاسة بلديتي أنقرة واسطنبول، ولا أظن أن انتخابات بلدية في أي بلد بالعالم، حظيت باهتمام سياسي وإعلامي دولي كما حدث بالنسبة لهذه الانتخابات، وتنافس المحللون والكتاب لقراءة نتائجها، كل حسب رؤيته وخلفيته السياسية والايديولوجية، أو ارتباطه بأجندة وسياسات ومواقف دول منافسة أو على خصومة مع أنقرة!

وتميز جزء كبير من ردود الفعل والتعليقات في الاعلام العربي، بالتشفي بحكومة حزب «العدالة والتنمية» والرئيس أردوغان شخصيا، والتعبير عن مواقف مسبقة مناهضة للسياسة الخارجية التركية، وبطبيعة الحال السياسة الخارجية لأي دولة ليست مقدسة، وخاضعة للتحليل والنقد.. فالبشر يخطئون ويصيبون، لكن غاب عن ذهن الكثيرين استقرار العملية الديمقراطية في تركيا، وأهمية أن تكون نتائج الانتخابات متقاربة وليست بـ«خانة التسعينات»! الأمر الذي يعكس نزاهة الانتخابات، وأن الحزب الحاكم يعترف بالنتائج ولا ينقلب عليها أو يزورها.

والنموذج الآخر المثير للسخرية، وربما لم يسبق له مثيل عبر التاريخ، هو ما حدث في الجزائر خلال الاسابيع الماضية، حيث تم إجبار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، على الاستقالة بانتفاضة شعبية عارمة بعد ان طفح الكيل، حيث كان خلال ولايته الأخيرة، يتنقل على كرسي متحرك و«المرض ليس عيبا»، لكن الرجل كان يعاني من أمراض عديدة ذهنية وجسدية تعيقه عمليا عن ممارسة الحكم، ومع ذلك أصرت الجوقة المحيطة به، وقيادة الحزب الحاكم على ترشيحه لولاية خامسة، واستجاب هو لهذا الطلب، بل إن أحد الوزراء وقف في اجتماع عام ليقول: «نهنئ أنفسنا على قبول الرئيس بوتفليقة الترشح لولاية خامسة»! ومن أطرف التعليقات التي تم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أن الحزب الحاكم أصدر بيانا أكد فيه «أن وفاة بوتفليقة لن تعيقه عن ممارسة صلاحياته الرئاسية من القبر»!

القضية تتعلق بتوافر الإرادة السياسية.. عديد الدول عمرها قصير لكنها نجحت بتكريس العملية الديمقراطية ومبدأ تداول السلطة، مثل تايلاند وماليزيا وجنوب افريقيا ونيجيريا والسنغال وكوريا الجنوبية، حيث تجري الانتخابات هناك وفق جداول زمنية محددة وبصورة دورية، ويتم انتخاب الرؤساء والحكومات وممثلي الاحزاب في البرلمان، وهناك رؤساء خسروا الانتخابات، ولم ينقلبوا على النتائج رغم أنهم يمسكون بالسلطة!

Theban100@gmail.com