هذه المخرجة.. وفلمها الجديد !
11:00 1-4-2019
آخر تعديل :
الاثنين
كفر ناحوم ليست قرية جليلية من أعماق التاريخ فحسب بل يمكن أن تكون حيا عشوائيا في القاهرة او احدى مدن الصفيح في ضواحي ريو دي جانيرو أو على الحدود المكسيكية مع الولايات المتحدة أو مخيما للاجئين الفلسطينين في اي بلد عربي لكنه هنا اسم رمزي لضاحية بيروتية مكتظة بالفقراء والمهمشين جرت فيها احداث فيلم قدمته لنا الشهر الماضي المخرجة اللبنانية نادين لبكي وذكرني بافلام الموجة الواقعية الايطالية التي ظهرت في اعقاب الحرب العالمية الثانية فهزت ضمائر الناس في كل مكان إلا في هوليود التي كان تجاوبها الوحيد أن خطفت باموالها واضوائها بعض النجوم الايطاليين الناجحين من امثال جينا لولو بريجيدا وفيتوريو غاسمان ومسختْهم دمىً ملونة تتحرك ! وقد لعب دور البطولة في فيلم كفر ناحوم باداءٍ عفويٍ رائع صبيٌ اسمه زين (لاجيء سوري في لبنان) اذ رايناه غارقاً في اوحال الضاحية يصارع مشاكلها المعقدة خصوصا حين وجد نفسه وحيداً يحمل همّ ومسؤولية طفلة قبضت الشرطة على أمها الخادمة الاثيوبية واودعتها السجن لنقص في وثائقها !
صحيح أن في الفليم مشاهد تعوّدنا على ما يشبهها في حياتنا اليومية لكن نادين لبكي أدخلتنا في دهاليزها وخلف ابوابها بجرأة جارحة وجعلتنا نعيش مع عذابات الاطفال في واقعهم الفظيع كامثلة حية لآلاف آخرين لا بل ملايين احصتها منظمات الأمم المتحدة إثر الحروب المدمرة التي شهدتها منطقتنا في العقدين الاخرين، كما ظلت المخرجة الذكية لبكي كل الوقت تشير باصبع الاتهام ليس فقط الى الذين انجبوهم وتخلوا عنهم ((تأتون بنا الى هذا العالم ثم تتركونا لنتدبر امورنا))، بل الاهم الى الحكومات التي اهملت واجبها في تنظيم الأسرة وقد سخِرتْ لبكي بطريقة بارعة من الجمعيات الخيرية او الدينية التي لا تتذكرهم إلا في المناسبات والاعياد فتزورهم في السجون لتقدم لهم الهدايا الرخيصة على وقع الموسيقى والاناشيد وأمام مصوري الصحف والتلفزيون وبعد الزفة المملّة يعود الاطفال الى حزنهم المقيم الذي لا يفهمون له سببا اقترفوه !
ليس هناك من يتوهم ان الفيلم قدم الحل السحري للقضايا التي طرحها لكنه ساهم في فتح العيون على حقائق بشعة تعشش في مجتمعاتنا باشكال مختلفة ونحن نعرف يقيناً أن جذورها قابعة كامنة في النظام السياسي الاقتصادي العالمي الذي مازال مهيمنا على مصائر الشعوب ويحرك الحروب في كل القارات.
وبعد.. يكفي هذا الفيلم فخراً أنه أنسنَ جانبا من حياتنا المنسية لكن.. هل حرك ضمائر بعض من لا يطيقون رؤية المشهد الحزين بحجة انه يهدف لاثارة الاحقاد الطبقية !