الانطباع السائد في مجتمعاتنا العربية عن نيوزيلندا، مرتبط بـ «اللحوم» النيوزيلندية لذيذة الطعم، والعروض التي تقدمها «المولات» على هذه اللحمة بين وقت وآخر، وأن هذه البلاد تقع في أقصى المعمورة، على بعد نحو 25 ألف كيلو متر عن منطقتنا !
لكن العملية الإرهابية الأخيرة، التي نفذها عنصري متطرف استرالي الجنسية، ضد المصلين خلال صلاة الجمعة يوم 15 مارس، سلطت الأضواء على هذا البلد الهاديء والمسالم الجميل، الذي يتميز بحرية الأديان والثقافات. ويبلغ عدد سكانه أربعة ملايين نسمة، معظمهم من المهاجرين وبضمهم «30» ألف مسلم، والملاحَظ أنه لا يوجد فقير في نيوزلندا، حيث توفر الدولة السكن والعلاج وغير ذلك، من ضروريات وحاجيات الإنسان لمن لا يجدها.
ومما كشفته «مذبحة المسجدين»، أن في هذه الدولة رئيسة وزراء «جاسيندا أرديرن»، شجاعة ورقيقة ومشبعة بالانسانية، عكست في تعاطيها مع المذبحة صورة مشرقة عن شعبها وبلدها، فلم تخادع أو تناور أو تختفي خلف تعبيرات فضفاضة، بل جزمت من اللحظة الأولى بوصف المذبحة بـ «الارهابية»، وبدت على سجيتها صادقة في تصرفاتها، وتحركت للتضامن مع أسر الضحايا، بزيارة مقر الجالية الاسلامية وتقديم العزاء بالشهداء مرتدية الحجاب، وقررت بثاً حياً للآذان في وسائل الإعلام النيوزيلندية.
وخلال صلاة الجمعة التالية للمذبحة «22 - اذار» قبالة مسجد النور، ألقت «جاسيندا» كلمة مواساة مؤثرة وهي ترتدي حجابا أسود، واستشهدت بالحديث النبوي الشريف «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
لو وقعت المذبحة في أميركا أو بلد أوروبي آخر، لما تصرف شعبها وحكومتها ووسائل إعلامها بهذه الحكمة وروح التضامن والدعوة للتسامح، التي عكستها الطقوس المؤثرة مثل قراءة القرآن الكريم في البرلمان، ومظاهر الحزن الصادقة وزيارة المسجدين، وحضور صلاة الجمعة التالية للمذبحة، بالاضافة الى زيارات المواطنين الى موقع الجريمة وإغراقها بالزهور ورسائل التعزية!
نيوزيلندا دولة ليست فاعلة سياسياً في القضايا الدولية والاقليمية، وهي مشغولة بتحقيق حياة كريمة لسكانها، بعكس الكثير من الدول العربية والإسلامية التي يعاني غالبية سكانها من الفقر والبطالة والبؤس، والتمييز على أسس عرقية ودينية ومناطقية وطبقية !
إن بلداً بهذه المواصفات جدير بالتقدير والاحترام وتعزيز العلاقات معه، وتسجيل الشكر للشعب النيوزلندي وحكومته على مواقفهم من المذبحة، فهذه دولة صغيرة بعدد سكانها لكنها ديمقراطية يحكمها القانون، ويتمتع سكانها بالحرية وهناك تداول سلمي للسلطة، بدون تمييز بين المواطنين على أسس عنصرية أو دينية.
Theban100@gmail.com
تضامنوا مع نيوزلندا
11:00 23-3-2019
آخر تعديل :
السبت