كتاب

اسمها يكبُرُ

فعلتها الجامعة الأردنية أخيراً. لأول مرّة في تاريخها وتاريخ التعليم العالي في الأردن تُطلق حملة تبرع منظّمة ومفتوحة بعنوان «مبادرة تطوير الجامعة الأردنية» بهدف توفير الأموال اللازمة لتنفيذ العديد من المشاريع التي تصب في تقدم الجامعة ورفعتها وازدهارها.

فقد أعلن رئيس الجامعة الأردنية الأستاذ الدكتور عبد الكريم القضاة في كلمة نشرت على موقع الجامعة على شبكة الإنترنت موجهة إلى أسرة الجامعة أن حملة التبرعات ستنطلق اعتباراً من يوم الثلاثاء المقبل الموافق 19 آذار 2019 في حفل مخصص لهذه الغاية يقام في مدرج الحسن، بعد أن تمّ الحصول على موافقة مجلسي الأمناء والعمداء ومباركتهما.

بهذه الخطوة تحذو الجامعة حذو العديد من الجامعات المرموقة في العالم والتي تعتمد على التبرعات كأحد أهم الروافد الرئيسة لميزانيتها. والحقيقة أن الجامعة اتخذت خطوتين مهمتين مؤخراً بهذا الاتجاه وضمن هذا السياق: إحداهما بلورة مشروع للوقف والأخرة مبادرة التبرع هذه.

أما مشروع الوقف، والذي فرغت الجامعة من إجراءاته الرسمية كافة وأنشأت مكتباً ومجلساً أعلى للعناية به، فهو أيضاً أحد أهم الروافد المالية الذي تعتمد عليه الجامعات العالمية العريقة، وسوف تطلقه الجامعة مع مطلع شهر رمضان المبارك.

وأما مشروع التبرع فسوف يُطلق الثلاثاء المقبل، والذي يسعى إلى جمع ما قيمته 100 مليون دينار، تأتي على شكل تبرعات نقدية وعينية تمكّن الجامعة من تنفيذ العديد من المشاريع الضرورية لتطوير الجامعة خدمة لطلبتها وأعضاء هيئة التدريس فيها وموظفيها، وسعياً منها لتوفير بيئة تعليم متطورة وبيئة بحثية مبدعة.

والحقيقة أن هذه المبادرة هي فكرة حكيمة ورائدة، وذلك في ظل تناقص الدعم الحكومي المقدم للجامعة وتواضع قيمته، وفي ظل ثبوت الرسوم لمعظم البرامج عند القيم التي حُدّدت منذ عقود خلت، ولم تعد تفي بتغطية كلفة تعلّم الطلبة، الأمر الذي وضع الجامعة في ضائقة مالية حالت بينها وبين تنفيذ مشاريع التطوير من ناحية وتغطية كلف صيانة وإدامة المرافق والمباني التي تقادمت بفعل عامل الزمن من ناحية أخرى.

ومن المهم التأكيد على أن الجامعة لم تشأ أن تثقل على الحكومة المتخمة بالمديونية والعجز فتصرّ على طلب المزيد من الدعم، كما أنها لم تشأ أن تلجأ إلى رفع الرسوم، التي لم تتغير منذ مدة طويلة، مراعاة منها لظروف الطلبة وذويهم. بل أخذت زمام المبادرة معتمدة على نفسها، لتحصل على ما يلزمها من أموال للتنمية والتطوير تأتي عن طريق التبرعات.

وهذه الخطوة تُسجّل للجامعة، وهي دليل على أهمية اللجوء للحلول الخلاقة لمعالجة المشكلات.

وقد بيّن رئيس الجامعة أن المبادرة ستكون على مراحل، اولاها مرحلة أسرة الجامعة ذاتها، وثانيتها مرحلة الخريجين، وثالثتها المجتمع الأردني والرابعة المجتمع الإقليمي والدولي.

شاءت الجامعة أن تبدأ بنفسها لتدلل على أن أسرة الجامعة تشعر بالمسؤولية الكبرى وأنها مثال يحتذى في الانتماء والعطاء.

أما المشاريع الحيوية التي تنوي الجامعة تنفيذها فهي كثيرة، لا مجال لذكرها كلّها هنا، ومن هنا فإننا نكتفي بذكر أهمها، والمتمثلة في الآتي: مشروع الطريق الدائري والقاطرة صديقة البيئة التي ستسير عليه بهدف نقل الطلبة من أطراف الجامعة إلى أطرافها الأخرى مروراً بالمركز الذي يضم معظم الخدمات؛ مشروع الطاقة الشمسية الذي سيوفر على الجامعة كلفة تصل إلى ثمانية ملايين دينار سنوياً؛ مشروع البيئة التقنية الذي يخدم التعلم المدمج والإلكتروني؛ مشروع تخضير الحرم الجامعي وتطوير مسطحاته وحدائقه وطرقاته؛ مشروع الابتعاث وتبادل الطلبة وأعضاء هيئة التدريس والبحث العلمي والريادة والابتكار؛ مشروع صيانة وإدامة المباني والمرافق التي هرمت، إضافة إلى إنشاء المباني والمرافق الجديدة؛ مشروع تطوير المكتبة ومختبرات الحاسوب؛ إلخ.

تدرك الجامعة أن ثقافة التبرع في مجتمعنا للمؤسسات التعليمية هي ثقافة غير ناضجة وأن الطريق لن تكون مزروعة بالورود. بيد أنها قد عقدت العزم على فعل كل ما يتوجب فعله من أجل تحقيق المرجو، لغايات نبيلة كثيرة من أهمها تزويد طلبتها بالبيئة التعلّمية الغنية القائمة على الجودة والتميز.

وبعد، فالجامعة الأردنية هي الجامعة الأم، وهي الجامعة الأولى تاريخاً وعراقة ومنزلة. ولقد حققت عبر السنوات منجزات لافتة، ورفدت المجتمع والإقليم بالقيادات التي صنعت معظم ما نرى ونخبر من تنمية وتحضّر وتقدّم. من أجل هذا وغيره، من أجل أن تبقى رايتها خفاقة، ومن أجل رفعتها وتقدمها، عقدت إدارتها العزم على اجتراح كل الحلول الممكنة، ومنها حملة التبرع هذه والتي رفعت شعار «اسمها يكبُرُ» مستمدة إيّاه من كلمات نشيد الجامعة الجميل الذي ألفه صديق الجامعة الأردنية وشاعر الأردن حيدر محمود، كي يبقى اسمها يكبُر ويكبُر، فيكبر معه ومعها الوطن وأهله.