بات واضحاً أننا نعوّل كثيراً على القطاع الخاص. فمن المؤمل، حسب ما تُفيد تصريحات المسؤولين والخبراء، أن يكون هو وليس القطاع العام المشغِّل والموظِّف الأول.
فالقطاع العام مُتخم بالقوى البشربة التي هي أكثر من حاجاته الفعلية بكثير، حسب الإحصائيات التي يُفصَح عنها بين الحين والآخر؛ وبالتالي فلم يعد القطاع العام قادراً على استيعاب المزيد من تلك القوى، اللهم إلاّ في حالات ضيقة.
يضاف إلى ذلك أن القطاع الخاص، حسب ما نقرأ ونسمع، معّول عليه في تنشيط الاقتصاد وتقويته من خلال احتضان وتنفيذ العديد من المشاريع الاستثمارية، الكبيرة والصغيرة، في القطاعات المختلفة.
وهذه الاستثمارات من شأنها أن تخلق فرص عمل للشباب الباحث عن فرص، وأن تزيد من نسب النمو، وأن تساهم في تحسين الدخول وفي رفع مستوى المعيشة للمواطن.
ونتحدث كذلك منذ سنوات طويلة عن تفعيل الشراكة مع القطاع الخاص، بهدف تحميله مسؤوليات كانت الدولة تُحمّلها تقليدياً للقطاع العام، الذي لم يعد يحتمل.
ولقد شهدنا في سنوات خلت عدة عمليات خصخصة في عدة مجالات كان يقوم بها القطاع العام أنيطت بالقطاع الخاص، بعضها ناجح وبعضها دار حوله كلام كثير.
لكن إذا كان الاستنتاج الذي يستشفّه المرء من أدبيات الاقتصاد، أن الرافعة الأساسية للاقتصاد لا بد أن تقع على كاهل القطاع الخاص في الأيام القادمة، فلا بد من أخذ العديد من الخطوات العملية والصائبة بهذا الاتجاه.
منها، خطط تَحوّل واضحة ومعلنة ومدروسة من الاعتماد على القطاع العام إلى الاعتماد على القطاع الخاص. ولا بد من أن تَرسم هذه الخطط وتعدها فرق مؤهلة محترفة تضع مصلحة الوطن والمواطن في المقام الأول.
وإذا كانت مثل تلك الخطط موجودة فعلاً، كما قد يقول البعض، فالأولى أن تُشهر وتُعلن حتى يطّلع عليها الناس ويكونوا على بينة منها، مع أننا كل ما نقرأ ونسمع في هذا المضمار هو عبارة عن تصريحات وعموميات ونوايا.
ومنها إزالة العراقيل والعقبات التشريعية والإجرائية أمام الاستثمار والمستثمرين، والتي نسمع عنها منذ السبعينيات من القرن الماضي، وما زلنا نقرأ ونسمع عنها.
ما هي هذه العراقيل؟ ولماذا هي موجودة؟ ومن هم المعرقلون؟ وما هي مصلحتهم قي ذلك؟ والسؤال الأهم: من هي الجهة أو الجهات المتوجب عليها إزالة تلك العقبات والعراقيل ولم تقم بواجبها منذ أكثر من نصف قرن؟
ومنها تنظيم وتفعيل وضبط إجراءات متابعة ورصد عمل القطاع الخاص للتأكد من أنه يقوم بعملياته وإجراءاته بفاعلية ومهنية، للحؤول دون إنحراف هذا القطاع عن جادّة الصواب، حتى لا يكون المجال مواتياً فيه للتحايل على القوانين وللغرق في قصص نصب واحتيال كبعض تلك التي شهدناها مؤخراً.
ومنها ضرورة وجود هيئة أو لجنة تقود عمليات التشبيك بين القطاعين العام والخاص.
ومنها الكثير مما لا يمكن الخوض فيه هنا لضيق المساحة.
وبعد، فإننا بحاجة إلى قطاع خاص قوي ونشط، ينهض بالاقتصاد ويوفر فرص العمل للأعداد الكبيرة من شبابنا وشاباتنا الذين أنهوا أو سينهون دراستهم ويبحثون عن فرص عمل ملائمة ومجزية.
لكننا نريده أيضاً قطاعاً مهنياً في تعامله وأخلاقياً في قيامه بواجباته، ومنضبطاً وملتزماً بالمعايير والمقاييس والقوانين حتى يكون على قدر الأمل والتحدي.
وهذا كله لا يمكن أن يتأتى دون خطوات عملية فاعلة بهذا الاتجاه، تقودها الحكومة.
مواضيع ذات صلة