من قبيل الرياضة الذهنية، يخطر بالبال الربط بين مؤتمر مدريد–اكتوبر 1991، ومؤتمر وارسو شباط 2019، وكلاهما خصص لإعادة «هندسة » الشرق الأوسط سياسياً، بما يعمق الانقسام العربي ويكرس هيمنة اسرائيل برعاية أميركية، على حساب حقوق الشعب الفلسطيني .
«مدريد'عقد برعاية اميركية سوفييتية بهدف معلن، وهو تحقيق «تسوية تاريخية» للصراع العربي الاسرائيلي! وأعلن عنه الرئيس الاميركي الاسبق «بوش الاب» في 6 آذار–مارس عام 1991، بعد انتهاء حرب تدمير العراق ، وكان العرب في حالة استسلام كامل لما يخطط لهم ! وتحدث بوش عما أسماه » النظام الجديد في الشرق الاوسط »، وبعده انطلقت مفاوضات بلا حدود لا تزال مستمرة !
لم تكن اسبانيا معنية كثيرا بالصراع العربي الاسرائيلي، وطرحت تساؤلات عن سبب عقد المؤتمر في مدريد، وتميل العقلية العربية غالبا الى الخيال في تفسير الأحداث، وطرحت تكهنات تربط بين ذكرى مرور «500» عام ،على هزيمة العرب في الاندلس عام 1492، بسقوط إمارة غرناطة آخر معاقل الدولة الاسلامية هناك التي استمرت 781 عاما !
مؤتمر وارسو هو أول محفل دولي منذ «مدريد» يضم عربا وإسرائيليين، في قاعة واحدة وأمام الكاميرات برعاية أميركية، والتوقيت يتزامن مع كوارث عربية، بعد اشعال حروب أهلية وبينية وتدخلات خارجية، تذكر بعصر الهيمنة والوصاية الأجنبية واتفاقية «سايكس – بيكو » !
ويمكن الاشارة الى ما يشبه نسخة عن «الحرب الباردة» بين واشنطن وموسكو،وتباين المواقف والمصالح بينهما في عديد الملفات الاقليمية والدولية،وأحدها انخراط الدولتين في الأزمة السورية كل على طريقته. وبغض النظر عن تغريدات الرئيس ترمب المتضاربة، قد يكون المطبخ السياسي للدولة العميقة الاميركية، يريد تذكير موسكو بأنه انهيار الاتحاد السوفييتي و«حلف وارسو» الذي كان يقوده، بعد مؤتمر مدريد، ثم تفكك منظومة الدول الاشتراكية وانتهاء الحرب الباردة، واعتبر ذلك التحول «انتصارا تاريخيا» للسياسة الغربية بقيادة واشنطن !
وبولندا مثل اسبانيا ليست معنية مباشرة بالصراع العربي الصهيوني، لكن ربما هناك دلالات رمزية لقرار واشنطن عقد المؤتمر في وارسو، التي كانت مقر الحلف العسكري للاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية، وبولندا كانت من أول الدول «الاشتراكية » التي تمردت على الهيمنة السوفييتية، وبالنتيجة أصبحت وارسو أقرب للسياسة الأميركية وبالضرورة الى اسرائيل ! .
وفي الدلالات الرمزية،لا يغيب عن الذهن فزاعة «المحرقة النازية» التي كرستها الحركة الصهيونية في استراتيجيتها بغرض الابتزاز السياسي والمالي لأوروبا،ولم يفوت الفرصة رئيس وزراء اسرائيل نتنياهو، باستفزاز بولندا «مضيفة المؤتمر»، بالتذكير بما وصفه بدور البولنديين ب «المحرقة» !
التحليلات العربية «الغرائزية» جزمت مسبقا بفشل المؤتمر، لكن لا يمكن تجاهل تحقيق بعض أهدافه، التي وضعتها واشنطن ومن خلفها تل ابيب، وأبرزها جمع نتنياهو مع وزراء عرب تحت سقف واحد، وهو حدث اعتبره نتنياهو «تحولا تاريخيا »، وأكده وزير الخارجية الأميركي بومبيو بقوله، إن لقاء القادة الإسرائيليين والعرب في الغرفة نفسها » شكّل يوماً تاريخياً »، وبدا واضحا توافق مواقف اسرائيل والعديد من الدول الخليجية التي شاركت، بشأن ايران ووصف المقاومة الفلسطينية ب'الارهاب !
كان هناك زيارات علنية لوفود رسمية اسرائيلية، لبعض دول الخليج خلال العام الماضي، فضلا عن لقاءات وزيارات سرية، لكن اللقاءات والصور المباشرة في وارسو، كانت ذات وهج اعلامي وسياسي قوي على المستوى الدولي، وتعتبر دفعة جديدة في سياق عملية التطبيع المجاني، وأقرب الى مكياج عربي ل «تجميل» وجه الكيان الصهيوني !
كانت التقديرات تشير الى أن المؤتمر سيبحث بشكل أساسي ما يسمى ب «صفقة القرن »، وما يثار حولها من جدل، لكن المقاطعة الفلسطينية للمؤتمر، جعلت التعرض لهذه الصفقة يتم خلف أبواب مغلقة !
ولا شك أن «التحول التاريخي» الذي حدث في وارسو، سيشكل رافعة مهمة يستثمرها نتنياهو ، لإعادة انتخابه مجددا في ابريل المقبل !
Theban100@gmail.com
مواضيع ذات صلة