كتاب

إعداد القيادات الواعدة

تركز الاستراتيجيات الوطنية على محور إعداد القيادات الواعدة ضمن الأهداف الوطنية لتنمية الموارد البشرية وتعتبره من الأولويات الكفيلة بالتحضير المناسب للمستقبل من خلال اكتشاف القيادات وتدريبها وتأهيلها وتوفير الظروف المناسبة لتسلمها المواقع القيادية وتحمل المسؤولية.

نواجه حالياً وعلى أرض الواقع ظاهرة اتساع الفجوة بين الصف الأول والصفوف الأخرى على مستوى القطاع العام وكذلك القطاع الخاص، لنصدم بالحالة الادارية الصعبة في حال غياب القيادات العليا سواء بالتقاعد أو الوفاة أو الانتقال لمواقع أخرى، وصعوبة البحث عن كفاءات تستطيع تعبئة الفراغ وذلك نتيجة عدم تهيئة قيادات بديلة.

من خلال النظر إلى العديد من المواقع القيادية في القطاع العام وتفرد أكثر من مسؤول ولفترات طويلة في الموقع وعدم تحضير مجموعة من القيادات الواعدة أثناء تلك الفترة والاهتمام باكتشاف تلك الكفاءات وتدريبها وتنمية القدرات لديها للقيادة والاستعداد لتحمل أعباء الوظيفة العامة نرى أنها أصبحت ثقلاً يحاول العديد الهروب منها نتيجة لما سلف بالإضافة للتخوف الذي أصبح قائماً نتيجة لاغتيال الشخصية العامة دون وجه حق.

حتى على المستوى السياسي وبعد غياب العديد من الرموز السياسية من المواقع القيادية، يلاحظ بعدم وجود امتداد فكري لمدارسهم السياسية، وانفراد كل مسؤول جديد بمحاولة ترسيخ فكره وغياب ثقافة البناء على ما سلف ولا بد من الإشارة إلى أن كثيراً من المسؤولين قد اكتووا بنار الهجمات المتكررة من المواطن والعديد من رسائل وسائل التواصل الاجتماعي والضغط المباشر منها.

ثقافة إعداد القيادات الواعدة وترسخيها في المدارس والجامعات لاستيعاب الطاقات الكامنة مطلب حيوي لضخ الدماء الجديدة ولتمكين الشباب من المساهمة المثمرة للتفاعل مع قضايا المجتمع والحياة، هذا بالإضافة إلى إعداد وتأهيل القيادات الواعدة في القطاعين العام والخاص وترسيخ مبدأ الإحلال الوظيفي بشكل فعال وعلى كافة المستويات للخروج بنمط جديد من الإدارة الواعية والقادرة على مواجهة التحديات بمهارات شاملة والقدرة على اتخاذ القرارات بحكمة واتزان.

نتحدث وفي كل مرة عن التعديل الوزاري وعن توريث المناصب وعن الفرص الضائعة لفئات الصفوف الخلفية وما وراء الكواليس وعن شخصيات الميدان وعن صور كثيرة للجند المجهولين، فهل نملك الرؤية المستقبلية لتوسم الخير في العديد من الخامات الإدارية وإتاحة الفرصة لها للتمرس في العمل القيادي بعيداً عن البرامج المعدة مسبقا؟

ثمة أفواج من القيادات الشابة ممن لديها الموهبة الشخصية والكفاءة الأكاديمية والمهنية لتصبح في مواقع متقدمة، يمكن الاستفادة منها وبلورة صفوف قيادية جاهزة للانتقال من الظل إلى دائرة الضوء والعمل على مدار الساعة دون كلل أو ملل.

نعم هناك الكثير من البرامج التي يوفرها القطاع العام والخاص في مجال إعداد القيادات ولكن تبقى الفرص المتاحة لتسلم المناصب القيادية العليا قليلة وفي بعض القطاعات نادرة ومقتصرة على غياب المسؤول الأول والبحث عن أشخاص لتعبئة الشاغر وفق معادلات عديدة.

حتى الأحزاب ومؤسسات الظل في العديد من الجهات ذات العلاقة بتطوير العمل تقع ضمن نفس التحديات ومن أهمها إيجاد البديل المناسب للمسؤول الأول في المصلحة وتأهيله قبل وبعد تسلم المنصب الجديد.

على المستوى الاجتماعي والأسري يراوح المسؤول في العائلة لتحمل المهام منفرداً بعطاء منقطع النظير إلى أن يغيب فجأة فتقع المصيبة والسؤال: كيف كان يتحمل ذلك كله؟

نطلق مصطلح الرعيل الأول والمؤسس في كل جهة وممن ساهم في إرساء القواعد، ولكن هل يمكن تخريج أفواج قادرة على مواكبة العمل العام باقتدار والتعامل مع جميع الملفات بحكمة جنباً إلى جنب مع القيادات المؤهلة في القطاع الخاص ومتابعة وجوه جديدة تظهر بوضوح وتساهم في المسيرة بإبداع وتميز وحرفية؟

البدائل الآن متاحة ومناسبة لبناء القدرات الشابة وتنمية مهاراتها وصقلها بالتدريب المستمر وتعرضها للتجارب المتعددة واكتسابها الخبرات المطلوبة لإدارة دفة العمل بتفوق وإتاحة الفرص أيضاً لأفواج أخرى للحصول على التدريب المناسب لاستلام الراية فيما بعد.

fawazyan@hotmail.co.uk