كتاب

التصفيق و(التسحيج) !

تحتل «السحجة» مكانة بارزة في الفلكلور الشعبي، وكانت خلال مئات السنين فعالية رئيسية خلال الأفراح والأعراس، يؤديها الرجال غالبا والنساء بنسبة أقل، وتسمى في الأردن بـ»الدحية»، وهي نشاط اجتماعي فلكلوري موجود في العديد من الدول العربية، لكن بأشكال وألوان متعددة، منها الأردني والفلسطيني،السوري،المصري، والخليجي..الخ.

وخلال السنوات الأخيرة ، تطور مفهوم «السحجة» في الثقافة الشعبية ، وأكتسب مصطلح «السحيج.. والسحيجة» صفة سياسية، يطلق على الذين ينافقون المسؤولين ، ويشيدون بإنجازات قد تكون حقيقية أو مزعومة، أو تضخيم بعض ما تقوم به الحكومة من خدمات، ويهاجمون من ينتقد الأداء الحكومي بضراوة. وأصبح هؤلاء مادة للسخرية من قبل عدد كبير من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي !

وتتباين أساليب «التسحيج» بين مقال صحفي ،تغطية خبرية، قصيدة،أو أغنية في مدح المسؤول والإشادة بقدراته القيادية ! ويمكن ملاحظة ذلك في ما ينشر يوميا في الصحف، ويبث عبر المحطات التلفزيونة والاذاعية العربية من نفاق للحكومات، وهو سلوك لم يتغير في الاعلام العربي منذ عقود من الزمن.

والجديد أن منصات التواصل الاجتماعي والثورة الرقمية، وفرت أدوات سريعة للتعبير، وانخرطت أعداد كبيرة من المواطنين باستخدامها، في مدح السلطات أو نقد سياساتها، وكذلك ممارسة النميمة الاجتماعية !

وكان من نتيجة ذلك أن حدث تداخل بين التسحيج والتصفيق، ذلك أن التصفيق فعل يؤدي باستخدام الأيدي في المناسبات ، تعبيرا عن تأييد ما قوله قائد أو مسؤول سياسي أو إداري ، خلال القائه كلمة في مناسبة وطنية أو افتتاح مشروع أو قص شريط ، أو خلال حملة انتخابية ، وفي مثل هذه الحالة قد يختلط الحابل بالنابل، فهناك من يصفق من الحضور بشكل أتوماتيكي وغوغائي، مجرد نفاق وحماس أعمى للخطيب بغض النظر عن المضمون !

وهناك من يحترفون التقاط اللحظة المناسبة، للبدء بالتصفيق عند جملة معينة في كلمة الخطيب، والمدهش أنه عندما يبدأ شخص ما بالتصفيق، يتبعه بقية الحاضرين بالتصفيق أوتوماتيكيا،حتى لو كان كلام الخطيب رتيبا ومملا!

وفي البعد السيكولوجي فإن هذا الحماس في التصفيق هو «تسحيج»، للتعبير عن التأييد لأسباب متعددة ، منها البحث عن مصلحة شخصية، فهناك من يعتاش على «التسحيج « ومن طبيعة السلطة تشجيع النفاق ،من خلال توزيع المناصب أو الرشى وإغداق المكافآت المالية، ويستهدف هذا النهج.. الأفراد المؤثرين في مختلف مواقعهم، والأحزاب والقوى الاجتماعية المختلفة.. عشائرية أو مناطقية أو إقليمية !

وثمة وجه آخر للتصفيق، وهو التعبير عن التفاعل، مع مطرب خلال حفل فني،أو الاعجاب بمسرحية وفعالية رقص ، أو في إطار تشجيع فريق رياضي خلال مباراة، والتصفيق في مثل هذه الحالات، قد يتخذ أشكالا مختلفة عدا التصفيق بالأيدي، مثل استخدام لغة الجسد، بالقيام بحركات تعبر عن الطرب والفرح ، اوالتلويح بمسبحة أو عصا ،أو حتى تحريك الساقين وأصابع القدمين! والتصفيق كتعبير عن تأييد موقف سياسي أو نشاط اجتماعي ، لا يقتصر على العرب ، فهو سلوك موجود في جميع المجتمعات. لكن ربما «التسحيج» صناعة عربية بامتياز ،وذلك يعود الى طغيان النظام الأبوي في ممارسة الحكم، وتغول نهج الفساد والواسطة وغياب آليات قانونية لتكافؤ الفرص، وربط عمليات توزع المناصب والوظائف العليا، حسب الواسطة و»الشطارة» في التسحيج !

إن مكافحة الجوانب السلبية في التسحيج والتصفيق، تبدأ من خلال تكريس نهج إصلاحي حقيقي ، يقوم على تكريس أركان دولة مدنية، يحكمها القانون لا تميز بين المواطنين ،على أساس الأصل ، أو صلة القربى والمصاهرة ،أو العشيرة والعلاقات الشخصية والمالية.

Theban100@gmail.com