من الصعب التكهن بما سيفضي إليه قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب سحب القوات الأميركية من سوريا، باعتبار أن القرار لم يُنفذ بعد وأن هنالك العديد من القوى الأخرى المؤثرة في الساحة والمنطقة؟
وليس من الواضح إذا كان الهدف منه الانسحاب العسكري من مكان محدد أم أنه مقدمة لانسحابات من المنطقة برمتها.
أسئلة كثيرة يمكن أن تثار هنا. هل هي مجرد خطوة تكتيكية آنية أم قرار استراتيجي طويل المدى؟ هل هو مؤشر على تحوّل مدروس في السياسة الأميركية الخارجية، التي يصعب فهمها هذه الأيام، أم مجرد قرار ارتجالي اتخذه الرئيس ترمب لأسباب لا يعرفها إلا هو وبعض المقربين.
فقد كانت الإدارة الأميركية السابقة – إدارة الرئيس باراك أوباما – قد ألمحت في أواخر أيامها إلى أن «منطقة الشرق الأوسط» لم تعد أولوية بالنسبة لها، وأن الأولوية ستكون منطقة جنوب شرق آسيا والصين.
لكن بغض النظر عن دوافع هذا القرار وأبعاده التي ستتضح في قادم الايام، قد يكون من المناسب أن نذكّر بمقال مهم كتبه المفكر الأميركي جفري ساكس في أيلول 2014 بعنوان «دعوا الشرق الأوسط يحكم نفسه» والذي قال فيه صراحة: «آن الأوان للولايات المتحدة والقوى الأخرى أن تدع الشرق الأوسط يحكم نفسه بناءً على مبدأ سيادة الدول وميثاق الأمم المتحدة».
ويبيّن ساكس، وهو أستاذ التنمية المستدامة في جامعة كولومبيا ومدير معهد الأرض فيها، أن تدخّل القوى الخارجية في منطقة الشرق الأوسط هو أحد أهم أسباب انعدام الاستقرار فيها وتفاقم الأزمات والكلف المالية والبشرية الباهظة التي تدفعها دول المنطقة ثمناً للعبث السافر في شؤونها.
فكرتان أخريان مهمان يثيرهما ساكس في مقالته، التي يتوجب على الدول العربية كافة قراءتها والتمعن في تفاصيلها، سيما وأنها كتبت من قبل أستاذ جامعي موضوعي في تفكيره علمي في تحليله وغير محسوب على أية جهة.
الأولى وتتمثل في أن تدخّل القوى الخارجية في شؤون دول الشرق الأوسط ناجم عن رغبة تلك القوى في خدمة مصالحها لا في خدمة مصالح تلك الدول، وأن الذي يُسهّل ذلك التدخل ويطيل في أمده هو اعتقاد دول المنطقة أن تلك القوى ستقوم بالاتيان بالحلول الحاسمة لصالحها.
ويؤكد ساكس أن هذا الاعتقاد هو اعتقاد خاطئ، فالإتيان بالحلول ليس غاية تلك الدول وليس في واردها أصلاً.
أما الفكرة الثانية فتتمثل في إدراك ساكس أن انسحاب القوى الخارجية لن بفضي إلى الاستقرار والسلام في المنطقة بين عشية وضحاها، فهنالك خلافات وأحقاد نمت وتفشت وتفاقمت عبر سنوات طويلة، لكنه على يقين أن دول المنطقة قادرة بعد مدّة على التفاهم وعلى التغلب على كل التحديات والاختلافات، شريطة عدم تدخل القوى الخارجية بينها.
ما يقوله ساكس ليس قواعد فيزياء أو كيمياء معقدة، فهي أساسيات يعيها العقلاء كافة في منطقتنا، لكن من المهم أن يُذكّرنا بها أحدهم، لنتفكر في حالنا بعد سنوات وعقود طويلة من الفشل في إدارة منطقتنا بأنفسنا علّنا نفيق من سباتنا أخيراً ونقوم نحن بما يجب أن نقوم به، وأن لا نوكل أمرنا إلى غيرنا، بناء على المثل الذي نؤمن به إيماناً راسخاً والمنسوب للإمام الشافعي: «ما حك جلدك مثل ظفرك، فتولّ أنت جميع أمرك.»
amajdoubeh@yahoo.com
مواضيع ذات صلة