كتاب

حتى التجار.. لحق بهم ظلم القانون!

ودار الزمان دورته وإن تأخر أربعين عاماً كي تصدق بعض نبوءتي بالآثار السلبية التي توقعت أن تخلّفها التعديلات التي بُديء بأدخالها على قانون المالكين والمستأجرين نتيجة ضغط أصحاب النفوذ من الفريق الأول واستغرقهم ذلك عدة مراحل على مدى عقدين من الزمن لتعطيهم في النهاية حق رفع أجرة العقار دون ضوابط أو مراجع تحكيمية وتحت تهديد إخلاء المأجور بعد أن كان الاستقرار في السكن لأكثر من نصف قرن متوفراً للمستأجرين (وهم عادة الفريق الأضعف) كسمة ميزت القانون الأصلي منذ إنشاء إمارة شرق الأردن، وكنت في اعتراضي على تلك التعديلات قد حذّرتُ من ظهور مشكلة المتشردين بلا مأوى الموجودة في كثير من المدن الأميركية وسواها بسبب مثل هذا النص غير الرحيم في قوانينها، كما لم أنس المستأجر التاجر من مغبة هذا التغيير في القانون فنبهت لابتزازٍ قد يُمارَسُ عليه حين يكون قد أنفق مالاً كثيراً على تحسين مظهر وأداء محله وأرسى لنفسه وتجارته مكانة معنوية من السمعة والثقة ما أدى إلى زيادة نجاحه وزيادة دخله ثم يأتي المالك على طريقة الشريك المضارب ليقاسمه ((الغُنم)) دون أن يتحمل معه ((الغُرم)) فيطالبه برفع الأجرة مرة تلو المرة حتى يرهقه ويضطر للاذعان أو الاخلاء، ما يؤدي إلى اضطراب في الحركة التجارية بخروج الكثير من التجار من السوق أو افلاسهم دون وجه حق ودون خطأ ارتكبوه أو فساد انكشف في معاملاتهم التجارية بل بسبب قانون ظالم يطلق العنان لجشع غريزي قد يكون كامناً عند كثير من المالكين وليس جميعهم بالطبع ! وهو ما حدث عندنا مع مرور الوقت واضحى مشكلة تؤرق قطاعاً كبيراً من التجار حتى أن إحدى الكتل في انتخابات غرفة تجارة عمان التي ستجري في الخامس من الشهر القادم طرحت لاجتذاب المؤيدين وعداً ((بالعمل على إعادة النظر في قانون المالكين والمستأجرين بما ينعكس ايجاباً على الاقتصاد الأردني لأن القانون بصيغته الحالية أسهمَ بتراجع التجارة في المملكة إذ رفع الكلفة التشغيلية على القطاع التجاري بمضاعفة الايجارات سنة بعد أخرى حتى أن الكثير من المحلات والمكاتب والمجمعات التجارية أصبحت فارغة تركها مستأجروها لعدم قدرتهم على الوفاء بالتزاماتها...)) الرأي 17/ 12/ 2018.

حين بدأت لأول مرة الكتابة ضد تعديل هذا القانون في جريدة ((الشعب)) في عام 1976 انطلقتُ من مبدأ حماية استقرار المستأجر في مسكنه من مصير محتمل للطرد من المسكن هو التشرد في الشوارع، فكان الرد عليّ بأن نص التعديل موجود في قوانين دول خليجية ولم تحدث عندهم مشكلة التشرد!!

ولقد واصلت حملتي بعد ذلك في جريدة ((الرأي)) وفي مقابلات تلفزيونية في عهد المجلس الوطني الاستشاري (!) وكل اعضائه معيّنون كما ينبغي التذكير، حيث تحرك عدد منهم ومعظم هؤلاء مالكون وليس بينهم من يمثل شريحة المستأجرين المستضعفين وقاموا بمحاولة فرض النص الجديد الظالم وساندهم بعض الكتاب وغمزوا من ميولي الاشتراكية وكانت يومها تهمة سياسة لم أنكرها والمفارقة أن بعض أولئك الأعضاء كانوا ينتمون لجماعات سياسية تدّعي الاشتراكية! وللمتابعة أؤكد أيضاً بأني لم أكن أتوقع أن يأتي وقت يستولي فيه على جزء كبير من سوق العقارات أبطال فئة معينة!

وبعد.. فالمراجعة لمثل هذه القوانين مطلوبة بإلحاح ليس فقط على قاعدة ((التراجع عن الخطأ فضيلة)) بل وتحقيقاً لبعض العدالة الاجتماعية شريطة شمولها لمستأجري الشقق السكنية أيضاً فالظلم واحد.