محليات

47 عاماً على استشهاد وصفي التل

يستذكر الأردنيون اليوم الثامن والعشرين من تشرين الثاني 2018 الذكرى الـ47 لاستشهاد المرحوم وصفي التل رئيس الوزراء الأسبق؛ الذي اغتيل في القاهرة اثناء مشاركته في اجتماع مجلس الدفاع العربي المشترك.

يعد التل من الشخصيات السياسية الأردنية البارزة، حيث تولى منصب رئيس الوزراء في اعوام 1962 و1965 و1970.

امتاز المرحوم بايمانه بالعمل العربي المشترك، والتصدي للاخطار المواجهة للامة العربية ودعمه لكفاح الشعب الفلسطيني في سبيل تحرير ارضه ووطنه.

ولد المرحوم التل عام 1919 في كردستان العراق وأمه منيفة إبراهيم بابان, من أسرة بابان الكردية التي حكمت مناطق ما يعرف بكردستان الكبرى.وهو ابن الشاعر مصطفى وهبي التل، وتلقى دراسته في مدرسة السلط الثانويه ثم انتقل الى الدراسة في الجامعة الاميركية ببيروت.

وتقلد العديد من الوظائف والمناصب في عمان والقدس واريحا ولندن ، وعمل دبلوماسيا في السفارات الاردنية في موسكو وطهران وبغداد.

تعد سيرة وصفي التل ابتداء من نعومة أظفاره ومرورا بمراحل دراسته وانضمامه الى جيش الانقاذ والمعارك التي خاضها وأثر هزيمة العرب في حرب 1948 والمراجعات الشجاعة والجريئة التي قدمها الشهيد حول أسباب الهزيمة في حينها، حكاية تاريخ لا يمكن أن يختزل في سطور؛ فهي سيرة شهيد عرف بالشجاعة والوطنية، والمواقف المشرفة التي ما زالت تدرس حتى يومنا هذا.

كان يرى القضية الفلسطينية هي قضية الأردن الأولى وقضية الاحرار العرب.

شكل حكومته الأولى في الثامن والعشرين من شهر كانون الثاني 1962 ثم حكومته الثانية في العام 1965 والثالثة من 28 تشرين الأول 1970 حتى 28 تشرين الثاني حيث تم اغتياله في العام 1971 في القاهرة على أيدي أعضاء من منظمة أيلول الأسود.

ينتمي وصفي إلى عائلة التل التي تقطن اربد ، وأنهى دراسته الثانوية من مدرسة السلط الثانوية عام 1937، ليلتحق بكلية العلوم الطبيعية في الجامعة الأميركية في بيروت، مع رفاق دربه القاضي محمود ضيف الله الهنانده وخليل السالم وحمد الفرحان الذين كانوا من رجالات الدولة المعروفين خلال الأربعة عقود الماضية وتأثر في أفكاره السياسية بحركة القوميين العرب التي كانت على خلاف مع حركة القوميين السوريين.

بعد عودته إلى الأردن انضم إلى الجيش البريطاني ثم سرح من الخدمة بسبب ميوله القومية العربية والتحق بجيش الجهاد المقدس بقيادة فوزي القاوقجي، وحارب في حرب فلسطين في 1948 م.

استقر بعدها في القدس ليعمل في المركز العربي الذي كان يديره موسى العلمي،والتحق بوظيفة مأمور ضرائب في مأمورية ضريبة الدخل وموظفا في مديرية التوجيه الوطني التي كانت مسؤولة عن الإعلام في 1955.

تزوج سعدية الجابري ذات الأصول الحلبية التي توفيت عام 1995م وكانت قد أوصت بتحويل بيته إلى متحف وهذا ما حدث.

وصفي التل وحرب حزيران

كان موقف وصفي التل من حرب حزيران واضحا وصريحا ومباشرا ويتلخص بإصراره على عدم الدخول في الحرب مهما كانت الأسباب و المبررات والدوافع؛ فالظروف والمعطيات السياسية والعسكرية للدول العربية آنذاك كانت تؤكد بوقوع الهزيمة. وعلاوة على ذلك وبالنسبة للأردن الكارثة باحتلال الضفة الغربية والقدس العربية. وعلى امتداد اليوم السابق ليوم الحرب أي يوم الأحد 4 حزيران 1967، كان وصفي، ثائراً منفعلاً عصبي المزاج، ولقد كان آنذاك رئيساً للديوان الملكي، وكان يردد باستمرار: أن الخطر الداهم يزحف نحو أمتنا العربية وأن الهزيمة قادمة وأن الكارثة مقبلة على الأردن، ولا سبيل لدفع كل ذلك عن الأردن إلا بعدم دخول الحرب. وكان يجيب على الاستفسارات التي توجه إليه بقوله: «إذا دخلنا الحرب، فإن الهزيمة والكارثة قادمتان لا محالة».

إغتياله

في 28 تشرين الثاني 1971 اغتيل وصفي التل في القاهرة، وقد ذكر بعد ذلك مدير المخابرات الأردنية وقتها الفريق نذير رشيد بأنه قام بتحذير وصفي التل «بأن النظام الناصري يعد لاغتياله» فقال له (ما حدا بموت ناقص عمر والأعمار بيد الله).

واغتيل في ردهة فندق شيراتون القاهرة؛ حيث كان وصفي التل يتجول فتقدم منه عزت رباح وأفرغ رصاصات مسدسه في جسده، وسط ذهول حراسه والوزراء العرب الذين سارعوا بالاختباء، وعلى الفور اعتقل الأمن المصري المنفذين وشرع في التحقيقات معهم، واعلنت منظمة أيلول الأسود مسؤوليتها عن الاغتيال، حيث توجهت أنظار الأمن المصري إلى أبو يوسف النجار وهو الأمر الذي نفاه التحقيق وأعلنت صحف القاهرة وعلى رأس الصفحة الأول أن(المتهم الأول والعقل المدبر للعملية وقائد المجموعة هو المتهم الفار فخري العمري).

ومنذ ذلك اليوم بقى فخري العمري مطلوبا للسلطة القضائية الأردنية حتى تاريخ وفاته عام 1991.

في نهاية شهر تشرين الثاني من العام 1971 كان المشهد الحزين، لجنازة الشهيد التل، عنما خرج أبناء الوطن من مدنه وبواديه؛ لوداعه والوقوف على جنبات الطريق الرابط بين مطار عمان المدني في ماركا، ودارته في منطقة الكمالية في صويلح، وكانت عيون المودعين تنساب منها الدموع، حرقة على الشهيد وصفي الذي كان بموكب مهيب، محاطا بالزنود الذين امتطوا السيارات العسكرية المكشوفة، متلثمين بشمغهم الحمراء لاخفاء دموعهم على رحيل التل.

عرف الشهيد التل بنزاهته واستقامته، وكان مثقلا بالديون التي كان أوعز المغفور له الملك الحسين طيب الله ثراه بتسديدها عن ذمة الشهيد، وأولى هذه المهمة إلى المرحوم محمد عودة القرعان مدير الاقراض الزراعي في ذلك الوقت، والذي كان من الاصدقاء المقربين للشهيد.

عندما طلب الشهيد التل ايصال خط هاتف لمنزله في منطقة الكمالية في عمان، قبل تسلمه رئاسة الوزراء، وبسبب بعد المكان عن اقرب عمود هاتف احتاج لإضافة ثلاثة أعمدة اضافية، الأمر الذي رتب عليه ستة دنانير اضافية على كلف التمديد ثمنا للأعمدة، وعندما عرضت المعاملة عليه دون عليها المشروحات التالية:

معالي وزير المالية.

«يرجى تقسيط مبلغ الستة دنانير على فترة ثلاثة شهور، وخصم القيمة بمعدل دينارين كل شهر من راتبي».

ويذكر المؤرخين بأن الشهيد التل وفي أحد المؤتمرات الصحفية أخطأ في النحو، فقال له احد الصحفيين، دولة الرئيس مخزونك النحوي قليل!.. فكان رد وصفي: لكن مخزوني الأردني كثير وهذا يكفي.

وصفي و«الرأي»

يسجل للشهيد وصفي التل تأسيس صحيفة الرأي، حيث كانت بدایة الفكرة في العام 1967 حیث اشتدت الحاجة على اثر احتلال إسرائیل للضفة الغربیة إلى مؤسسة صحفیة، ترتقي بخطابنا الى مستوى الأحداث في تلك المرحلة، حیث لم یكن في الأردن إلاّ صحیفة واحدة هي الدستور. وباشرت حكومة التل إجراءاتها العملیة لبلورة هذا التوجه فأصدرت القانون رقم 26 لسنة 1971 بتاریخ13-5 -1971 القاضي بإنشاء المؤسسة الصحفیة الأردنیة كمؤسسة حكومیة، وعین المرحوم الأستاذ أمین أبو الشعر مدیراً عاماً لها، واستملكت الحكومة موقع ومباني جریدة الجهاد التي كانت على أبواب الصدور في ذلك الوقت وتوقفت لتشغل المؤسسة الصحفیة الأردنیة «الرأي» هذا الموقع.

الشهيد والإذاعة

في العام 1950 تولى هزاع المجالي رئاسة الوزارة ، فاستدعى وصفي التل للعمل رئيسا للتوجيه الوطني ومديرا للإذاعة، فأنشأ دائرة للإعلام بالإضافة إلى دائرة المطبوعات والنشر، وكان يقضي بضع ساعات في الرئاسة، ثم يمضي بقية يومه في الإذاعة، يعمل بطاقة عالية، وايجابية مشهودة في التعامل مع الآراء والمواقف المختلفة مع مرؤوسيه, ومع السياسيين الأردنيين، وفي هذه الفترة أخذت الإذاعة الأردنية هويتها المتميزة، وانفتحت على هموم الناس وتطلعاتهم من خلال برامجها، وأشهرها «مضافة أبو محمود» ومن خلال الأغاني الوطنية التي شجع كتاَّبها وأشهرهم المرحوم رشيد زيد الكيلاني.

عرف عن الشهيد التل تحيزه للفئات المهمشة، وانحيازه لكرامتهم، ويروى أنه في ذلك الزمن، توجه لتفقد مرافق مؤسسة الاذاعة والتلفزيون، ودخل إلى دورة المياه، ليلفت انتباهه السواد الذي كان على أرضية البلاط، فسأل العامل عن سبب عدم تنظيفه، ليرد عليه بأن السواد لا يزول؛ فما كان من الشهيد التل الا أن يتناول عدة التنظيف ويقوم بتنظيف الأرضية.

البيان الوزاري لحكومته

ألقى التل البيان الوزاري لحكومته الأخيرة، أمام مجلس النواب ، لنيل الثقة على أساسه، وفيما يلي أهم ما جاء في بيانه :

ــ إن واجب الحكومة الأول هو ترجمة كتاب التكليف الى برامج عمل متصلة وخطط تنفيذية وتطبيقية ،فبياننا لن يأتي بفتوحات في الخطط والبرامج ولن نأتي بالخوارق ولا بالمعجزات، والحكومة لن تنزلق في طريق الإسراف بالوعود، فهي تؤثر أن تتعهد بالقليل الذي تقوى على تنفيذه كله.

ــ إن أسوأ أنواع الحكم في هذا العالم هو الحكم الذي لا يعرف ماذا يريد، ولا يمتلك اهدافا يسعى الى تحقيقها، عندها يتحول الحكم الى عصابة إو الى تكية للتنابلة أو إلى أضحوكة وهزؤ في اعين الكثيرين.

ــ إن أخطر الآفات التي تؤدي عادة الى تآكل الحكم في أي بلد هي القوقعة أوالتحجر ولعل تلك القوقعة وذلك التحجر هما خير سماد يساعد على تكاثر الفساد واستشراء الانتهازية وانتشار الارتزاق وتمرد الجهل وتسلط الانحراف.

ــ نحن في الأردن نحمل من التخلف مثلما يحمل إخواننا وأشقاؤنا، وعلى الحكم أن ينضو عن الحياة الأردنية كل ثيابها البالية وينزعها عنها، مثلما عليه أن يعيد خلق الحياة، بل أن يعيد خلق الإنسان فوق أرضنا،ويبدأ بخلق الدولة الحديثة في الأردن المعاصر.

ــ إن الوحدة الوطنية ستظل بعيدة عن أي مضمون حقيقي ما لم تتوافر بالعمل لا بالقول وفي كل نبضة من نبضات الحياة العامة، سيادة حقيقية للنظام والقانون وغزارة دائمة في الانتاج وتمسك مخلص بالأهداف القومية العليا.

ـ إن كل قروض العالم ومساعداته لا تكفي لبناء الوطن وتشييده وانما يبنى الوطن ويشاد بعرق المواطنين وتضحياتهم ، بسواعدهم الملتفة وعزائمهم المتحدة، بسهرهم الدائب وتعبهم الموصول، بارادتهم التي لا تقهر وايمانهم الذي لا يضعف ولا يلين.

ــ إن المواطن الذي يعيش في امن حقيقي هو وحده القادرعلى العطاء وهو الذي يعرف كيف يموت بشجاعة في سبيل بلده وقضيته، اما المواطن الذي يعيش في الرعب والفوضى فلا يملك شيئا يعطيه لبلده او قضيته او حتى لأحد من الناس.

ـ إن عدتنا الحقيقية هي في وعي المواطن وادراكه وايمانه بنفسه وبلده وقضيته، وفي تصميمه على ان يبني لا أن يهدم، وأن يعطي لا أن يأخذ، وبالتالي أن ينتصر لا أن ينهزم.

آخر ما قاله الشهيد

وفي الكلمة التي القاها الشهيد التل في مجلس الدفاع العربي المشترك بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالقاهرة يوم استشهاده؛ قال التل فيها:

«التقرير الذي قُرأَ علينا تقرير واقعي يعتمد على الحساب وعلى العقلانية ويثير بعض الأمل ويبصرنا بحقيقة أن مجموعة الجهد المحشود للمعركة أقل بكثير مما تستحقه المعركة، والتوقيت يعتمد على الجهد المحشود وهذا لا يعني مطلقاً السكوت على العدوان، ومن واجبنا جميعاً الدخول في المعركة بالامكانيات المتوافرة لدينا، والتقرير يبين ان عنصر الوقت عملية مهمة لو توافر المال والمعدات ، ولا ينفع من أجل المعركة ان تكون جبهة قوية متكاملة وأخرى غير قوية متكاملة، فتكامل الجبهات امر ضروري من ناحية التساند العام والآخر الاكتفاء الذاتي لكل جبهة لكسب الوقت في المناورة في داخل الجبهة المعينة، وهذا يحتاج الى اجتماع عربي على اعلى مستوى وفي غاية الالحاح وفي غاية الاهمية. ومن واجبنا ان نضع خطة للتخطيط وخطة للتزويد وخطة للمعركة ، والتخطيط بحاجة الى قيادة سياسية وعسكرية ويجب أن يكون جهدنا في المعركة حقيقيا وصحيحا ومحسوبا وليس جهدا وهميا، واي خطأ يرتكب في أي جبهة ينعكس علينا جميعا وعلى المجهود العام.

ويؤسفني أن أقول إنه رغم محاولة الاردن المتواصلة للوصول الى خطة عمل مع المقاومة لغايات التثوير ، فحتى هذه اللحظة لم نصل الى اي اتفاق ولكني ما زلت واثقاً اننا نستطيع الوصول الى اتفاق لحظة التثوير وهي خطة فنية معتمدة اساساً على مقررات مجلس الدفاع الموقر واعتقد ان قضية التثوير للاراضي المحتلة اذا احسنَّا تنفيذها فلدينا الرجال ولدينا المعدات والقدرات الفنية ولدينا التصميم والارادة على انجاحها واذا نجحت سيكون لها مردود كبير قد يغير الموقف العام».

يعشق الأردنيون الشهيد التل ؛ ويهتمون به لأنه كان ظاهرة في أسلوب حكمه، ومواقفه التي زرعت في أذهان الجميع، ولم يكن يحمل فكراً جهوياً؛ إذ اعتبر فلسطين والأردن وطنا واحدا ولم يكن متعصباً لجهة معينة.