قبل ايام شاهدت على احد مواقع التواصل الدكتور محمد (...) وهو يروي برباطة جأش قصته أو قصة اتهامه بالفساد وتغريمه مبلغ 14,500 دينار لم ينكر انه جناها عبر ثماني سنوات من العمل في مؤسسة طبية خاصة خارج اوقات دوامه الرسمي في وزارة الصحة، فكان لا يرجع الى زوجته واطفاله إلا في ساعة متأخرة من الليل، اذ ما عادت المئات القليلة من الدنانير التي يتقاضاها كراتب شهري كافية لسد احتياجاتهم إلا بعمل اضافي شريف، وقد فوجئ بالتحقيق معه ربما نتيجة وشاية ورضي بالحكم باعادة كل ما تقاضاه من عمله الخاص الى خزينة الدولة لكن ساءه النعت بالفساد الذي اطلقته عليه بعض وسائل الاعلام !
أحزنتني قصة الدكتور محمد وحفزتني للعودة لقضية بالغة الاهمية كتبت فيها عشرات المرات منذ فُرض في 1/ 11/ 1965 على وزارة الصحة من خارجها ودون التشاور الحقيقي معها نظامُ التفرغ الاجباري الذي يمنع اطباءها من الجمع في العمل بين القطاعين العام والخاص الذي كان ولا يزال مسموحاً به في معظم دول العالم، وأقول هذه المرة أني لم استغرب قصة الدكتور محمد (...) ومئات آخرين من اطباء وزارة الصحة وغيرها مارسوا ويمارسون هذه المخالفة ولسبب أو آخر لم يُكتشفوا أو لم يحاسبهم أحد ! وسأجهر بأعلى صوتي أنهم ليسوا فاسدين فهم لم يسرقوا المال العام ولم يبيعوا الاجهزة للمستشفيات الخاصة ولم يقبضوا الرُّشى عن خدمات ممنوعة او محرمة كتدبيج تقرير طبي يخدع القضاء، بل هم مجرد مخالفين لنظام شبه عرفي سُلق على عجل وتم تطبيقه تعسفاً قبل ثلاثة وخمسين عاماً وأدى في اولى نتائجه السيئة لاستقالة 7 من أصل 9 من اول دفعة اختصاصيين في تاريخ وزارة الصحة واستمر نزيف الكفاءات بسببه ما أثر سلباً على مجمل الخدمات الصحية في القطاع العام فرأيناها تتدنى وتهبط دورياً في مسلسل استقالة الاطباء للعمل في القطاع الخاص حيث الدخل الأفضل للمبدعين الناجحين منهم ثم يشكو وزراء الصحة المتعاقبون من نقص الاختصاصيين ولا يعترفون بالسبب الحقيقي أو انهم لا يعرفونه، كما تنفضح الانتهازية والبراغماتية في بعض مؤسسات القطاع الصحي العام حين تغض الطرف عن تطبيق النظام على اطباء متميزين لديها خشية ان يستقيلوا فتفقد خدماتهم وخبراتهم التي لا تُعوَّض، أو تضطر لأن تستثنيهم منه بتصاريح رسمية (ربما غير مكتوبة) فيجني بعضهم من عمله في القطاع الخاص في شهر واحد اكثر مما جناه الدكتور محمد (...) في ثمانية اعوام !
يحدث كل ذلك لان المسؤولين يخشون – لا اداري لماذا؟–ان يعودوا عن هذا النظام الشاذ ليضعوا بدلا منه نظاماً تدرجياً يسمح لاطبائهم بالعمل الخاص ضمن ضوابط ادارية معروفة تضمن عدم افتئاتهم على ساعات العمل الرسمي ويتحقق الهدف الأهم الا وهو الاحتفاظ بالكفاءات من أجل خدمة أفضل لصحة المواطنين ومواصلةٍ ثابتة لحلقات التعليم الطبي المستمر الذي ينبغي اتاحته للاجيال الجديدة من الاطباء على ايدي الاجيال الخبيرة السابقة التي تبقى في الخدمة لاطول مدة ممكنه.
وبعد.. ليس ادعاءً بالشجاعة باثرٍ رجعي أنني رويت علناً في اكتر من مجال كيف سعيت حين كنت في موقع المسؤولية قبل اكثر من ثلاثين عاماً لاصلاح ذاك الخطأ التاريخي ولا اريد ان اكرر الحديث عمن كان السبب في افشال مسعاي يومئذ فقد اصبح معروفاً لمن يتابع ويهتم!
مواضيع ذات صلة