كتاب

المُهم والذي لا يقلّ أهمية!

فاجعة البحر الميت، التي راح ضحيتها أطفال أبرياء ومواطنون غير مهيئين لما حدث، تستدعي دراسة مستفيضة من جميع الأطراف المعنية للوقوف على ما حدث بالضبط، ولمَ حدث، ومن هم المسؤولون، وما هي الدروس المستفادة.

أمران لفتا الانتباه منذ البداية، الأول ويتمثل في الإرباك والارتباك حول ما حصل بالضبط، والثاني في التسرع في إطلاق الأحكام.

قيل في البداية إنها رحلة مدرسية غيرت مسارها من الأزرق إلى منطقة البحر الميت، وأن الباص توقف بقرب أحد الجسور الذي انهار، وأن الاطفال ومرافقيهم اختاروا المكان الخطأ إذ جلسوا بجانب سيل شحيح المياه ثم داهمتهم مياه الأمطار الغزيرة فجأة، وقيل أنهم كانوا يسبحون، ليتبين فيما بعد أنها رحلة مغامرة في منطقة وادي زرقاء ماعين كانت تسير حسب برنامج مخطط له، وأن المعنيين كانوا يتسلقون أحد الوديان كجزء من المغامرة بمرافقة بعض المعلمين والمعلمات ومشرفي الجهة المنظمة للمغامرة، عندما داهمتهم المياه فسُحب من سُحب وفرّ من استطاع الفرار وأُنقِذ من انقذ وقضى من قضى.

وقد تكون هنالك تفاصيل لا نعلمها لغاية الآن، فلم تفلح وسائل التواصل الاجتماعي ولا وسائل التواصل الرسمية العامة والخاصة في إيصال صورة دقيقة عما حدث.

وهذا أمر غير محمود يجعل الناس عرضة للمعلومة غير الدقيقة والتكهنات والأحكام الجارفة.

وصاحبَ ذلك إطلاق الأحكام عن المتسبب أو المتسببين، بناء على معلومات غير دقيقة حول ما حصل بالضبط، فازدادت الصورة تشويشاً وإرباكاً.

لا يريد المرء أن يكون مثالياً هنا، فقد يُعزى الإرباك جزئياً إلى هول الموقف ووقع الفاجعة التي أدمت قلوب الجميع وجعلتهم في حالة حزن وغضب في آن واحد، وإلى ضعف أو غياب في التنسيق بين الجهات المعنية.

لكن في مثل هذه الظروف، كان الاجدر أن يتم الآتي:

أولاً، التركيز الكامل بين جميع الأفراد والمؤسسات المعنية على سرعة وكفاءة عمليات الإنقاذ والإسعاف والتعرف على الضحايا والدعم النفسي للأطفال الناجين ولذوي الضحايا، على المبدأ المعروف لدينا جميعاً: «أنقذني ثم لمني».

ثانياً، إعلان الحكومة الفوري – دون إطلاق أية أحكام – عن تشكيل لجنة محترفة من جميع الجهات المعنية للوقوف على تفاصيل ما حصل لقطع الطريق على التكهنات والإشاعات وقصص الإثارة وكيل الاتهامات دون أدلة ودون معلومات موثوقة. فلا شيء أخطر من المعلومات المغلوطة وأنصاف الحقائق والأحكام المتسرعة. لوحظ أيضاً التركيز الكبير على محاسبة الجهة أو الجهات المسؤولة عمّا حدث، وهذا أمر مهم جداً، فالأصل بأن تكون كلّ جهة معنية قد قامت بواجبها حسب الأصول والتعليمات وبمهنية وحرفية عاليتين، وإلاّ لما حدثت الفاجعة.

بيد أن الأمر الذي لا يقل أهمية في اعتقادنا هو التركيز على الدروس المستفادة، حتى لا تتكرر هذه المأساة في المستقبل.

المطلوب - على هذا المستوى - فعل الكثير الآن فيما يخص الرحلات المدرسية لضمان عدم وقوع أية مآسٍ مستقبلية، والتي يمكن أن تقع في أي مكان في المملكة، ولأي سبب كان، بدءاً من صيانة الباصات وجاهزيتها، وكفاءة والتزام سائق الحافلة، وجودة أداء مشرف الرحلة، وانتهاءً بدور مؤسسات الرقابة والمتابعة والمساندة والانقاذ.

قد يكون هنالك تقصير من قبل جهة أو أكثر كان السبب المباشر فيما حدث، لكننا على يقين أن المشكلة الأكبر تكمن في القصور العام المتوارث في الإجراءات المعتمدة في مؤسساتنا وفي فجواتها وثغراتها وترهلها وفي مدى التزامها وتطبيقها ورصدها وتقييمها والتنسيق مع المؤسسات الأخرى المعنية، وفي الكفاءة في أداء عملها، وفي تدريب الكوادر البشرية، وهذا ما يميز عمل الأفراد والمؤسسات في الدول المتطورة عن عمل المؤسسات عندنا. وهذا ما يجب أن ينصب عليه الجهد الأكبر.

المساءلة مهمة، ومهمة جداً، لكن الدروس المستفادة والتوصيات المنبثقة عنها لا تقل أهمية.

amajdoubeh@yahoo.com