المحامي الدكتور محمد عبدالله الظاهر
بالرغم من الاثر الايجابي الذي حققته الشبكات الاجتماعية ووسائل التواصل في مجالات المعرفة ومسيرة التغيير خلال المرحلة السابقة، الا انها كشفت عن دور سلبي أصبح يتزايد مع قلة الوعي والبعد عن القيم المثلى التي اعتدنا عليها في مجتمعنا والتي طالما تميزنا بها عما سوانا من المجتمعات الاخرى، وبكل أسف يشير واقعنا الى كثرة استخدام الشبكات الاجتماعية في بث الأفكار الهدامة والدعوات المنحرفة، بالاضافة الى انتهاك الحقوق الخاصة والعامة وتشويه السمعة واغتيال الشخصية والمساس بهيبة الوطن، كل ذلك يجعل من الدور السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي خطرًا على المنظومة الاخلاقية، خاصة عندما تكون المداخلات والمشاركات نابعة من فكر سطحي ساذج ومرتبط بشائعات وشعارات بعيدة كل البعد عما يؤيدها واقعيا او تاريخيا.
كم هو مؤلم ما يمارسه البعض من افتئات على الوطن، مدفوعين في ذلك من جهلهم بقواعد السلوك الديمقراطي القويم، او بأهداف مشبوهة غايتها اثارة الفتنة واغتيال الشخصية وبث خطاب الكراهية والمساس بهيبة الوطن ورموزه، ظنا منهم ان في ذلك ممارسة لحرية التعبير والرأي، غير مدركين أن هذه الممارسات تشبه أي شيء الا الديمقراطية والحرية الحقه، وعلى نحو يمكن القول بأنها تصرفات غير مسؤولة تنضوي تحت وصف الانحدار الاخلاقي والاسفاف، أو الجهل المتمثل بالترديد الاعمى لبعض الافكار المغلوطة والمسمومة بتداولها واعادة نشرها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.
اكاد اجزم بأن بعضا من المنشورات والرسائل المتداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تندرج تحت مسمى خيانة الوطن وتقويضه، اذا ما عرفنا مدى الاساءة والتطاول التي تتضمنها من مساس بهيبة الوطن سواء أكان ذلك بصورة مباشرة او غير مباشرة من خلال الاساءة لشخص ما بحكم موقعه الوظيفي، ولا أريد في هذا المجال أن يفهم ما ذكرت على أنه رأي رجعي ينافي الاسس الديمقراطية الصحيحة، ويمنع أصحاب الرأي من ابداء آرائهم وتوجيه النقد البناء بشكل موضوعي خال من التجريح واغتيال الشخصية، خاصة وان جلالة الملك قد اكد على ضرورة ممارسة واجب المساءلة من خلال ورقته النقاشية الثالثة باعتباره احدى الادوات الجوهرية في النظام الديمقراطي، بحيث يتعين عدم الاساءة في توظيف هذا الواجب وتحويله لأداة تهدف الى الاساءة للوطن واغتيال الشخصية.
قبل ايام أصدر جلالة الملك بحكم سلطاته الدستورية قراره التاريخي بانهاء الملحقين اللذين سمحا لإسرائيل استخدام اراضي الباقورة والغمر من اتفاقية السلام، والذي شكل وبحق اضافة مشرقة لتاريخ الاردن السياسي، وتأكيدا على السيادة الأردنية والمسيرة الهاشمية التي تنحاز دوماً لصالح الوطن وكرامة أهله وترابه، وبالرغم من ذلك فقد مارس البعض دوره السلبي على شبكات التواصل الاجتماعي وبشكل أثبت اصراره على الاستمرار في محاولاته البائسة الرامية الى المساس بالوطن وهيبته، ولي هنا ان أتساءل... أي فئة تلك التي تحاول الاساءة لوطننا، أي فكرة تحمله عندما تسبح عكس تيار جارف من التأييد والالتفاف حول قيادة سعت كما كان سعيها دائما الى إعلاء شأن الوطن والمواطن... ألم تلمس مدى النشوة والعزة والكرامة التي عبر عنها الشعب بكافة اطيافه ومكوناته ومواقعه في اعقاب قرار الكرامة الذي اصدره جلالة الملك؟... وفي ذات السياق فقد ساءني تلك الهجمة التي اثيرت على مواقع التواصل الاجتماعي في اعقاب المقابلة التلفزيونية التي اجراها رئيس مجلس الاعيان دولة السيد فيصل الفايز مع تلفزيون روسيا اليوم والتي وصلت الى حد تقويله ما لم يقل، وتجاوزت كل حدود النهج الديمقراطي القويم من خلال توجيه الانتقادات لشخصة، بشكل لا يمكن فهمه الا أنه ضعف القدرة على فهم مضامين المقابله وتبعيضها واجتزائها بشكل مشوه، خدمة لأهداف مشبوهة او نتيجة لحب اظهار الذات ولو على حساب المصداقية، وأشير الى أني لست في هذا المقام بصدد كيل المديح او التملق لأحد بصفته الشخصية، ولكن عندما يكون الهدف من الاساءة هوالافتئات على الوطن والمساس بهيبته، يكون لزاما ان اقف موقف المدافع غير آبه بما قد يقال بحقي من مزاعم واتهامات بأن سعيي كان لهدف غير الغيرة على وطنا نعشق ترابه ونفتدية بالمال والبنين. ومما يؤكد عدم صدقية الهجمة التي اثيرت حول ما تضمنته مقابلة رئيس مجلس الاعيان المذكورة، مدى الاتزان الذي يتمتع به هذا الرجل وحكمته في كافة المواقع التي تبوأها بدءاً من رئاسته للديوان الملكي العامر وللحكومة ولمجلسي الاعيان والنواب، حيث لم يكن في كافة تلك المواقع الا المحب لوطنه والغيور على مصالحه العليا، فلم يسجل عليه في اي وقت من الاوقات سواء أكان على رأس عمله او خارج الخدمة أن وجه أو سمح بتوجيه اي اساءة للأردن، بل أنه دائما كان في موقف المدافع عن هذا البلد ضد كل من يحاول المساس به، وهو أمر لا يحتاج للتدليل او التأكيد، بل يتضح من خلال القبول الشعبي الذي لاقاه والمجلس الذي يرأسه خلال الزيارات الاخيرة لمحافظات المملكة في الوقت الذي كان الشارع في حالة من الغضب والغليان والصدود عن استقبال أو لقاء أي مسؤول، وهو ما يمكن فهمه على أنه تأكيد لثقة جلالة الملك بهذا الرجل انطلاقا مما يتمتع به من مواقف وطنية ثابتة قائمة على الاخلاص في حب الوطن والمليك.
وبعد فإن من الضرورة بمكان في هذا المقام، أن نضع الاوراق النقاشية التي طرحها جلالة الملك موضع التطبيق الفعلي، لما تضمنته من خارطة طريق في مجال تمكين النهج الديمقراطي، وأشير الى ما تضمنته الورقة النقاشية الرابعة والتي دعا جلالته من خلالها الى ضرورة التحلي بالمواطنة الفاعلة، التي ترتكز على ثلاثة أسس وهي حق المشاركة وواجب المشاركة ومسؤولية المشاركة الملتزمة بالسلمية والاحترام المتبادل للرأي والرأي الاخر والتأكيد على أن المعارضة البناءة الملتزمة هي التي تبني مواقفها على أساس الحقائق والمعلومات الموضوعية والوعي، وليس على الانطباعات والاشاعات والعدمية المطلقة التي تنكر على الوطن انجازاته وتطوره، لنكف عن جلد الذات ونشيد بكل فخر بالانجازات الكبيرة التي تحققت على كافة الاصعدة.