أبواب - تالا أيوب
تنادي المعلمة خمسة طلاب ، وتترك لكل منهم حرية اختيار الركن الذي يريد أن يلعب فيه، وبشكل تلقائي يتوجه الطفل الى البطاقة الخاصة به، فيتناولها، ويضعها في مكانها المخصص أمام الركن الذي اختاره، ومن ثم يبدأ اللعب.
وبعدها تنادي المعلمة على مجموعة أخرى من الطلبة، لكي يفعلوا ما فعلته المجموعة السابقة، وتستمر على هذا المنوال الى أن ينضم جميع الطلبة للأركان التعليمية (ركن الكتابة، والبناء، والدراما، الاكتشاف، الهدوء). وبعد قضاء فترة من الزمن يتنقل الأطفال بين الأركان الى حين انتهاء وقت التطبيقات في الأركان.
بهذه الآلية يتم توزيع الطلبة على الأركان التعليمية في الصفوف الدراسية الواحدة التي تعود الى بعض رياض الأطفال، اذ ان هذه الطريقة التعليمية تتطرق إليها عدد من المدارس الخاصة.
شاركت «أبواب - الرأي» حلقة «التعليم بالأركان» أحد صفوف رياض الأطفال في العاصمة «عمّان» التي تستخدم هذا النوع من التعليم، وتَبَيّن أن هذا النوع يعدّ جزءا مهما من العملية التربوية الحديثة، ويتركز على التعليم الذاتي للطفل، اذ يقسّم الصف الواحد الى زوايا، وكل زواية تسمى ركناَ، يتمكن من خلالها توفير الخبرات والمهارات المطلوب من الطفل اكتسابها.
اللعب أفضل اسلوب لتعليم الأطفال
تقول ديمة حدادين -وهي مديرة روضة- ان:» التعليم بالأركان هو التعليم الذي يحدث من خلال لعب الأطفال، وتفاعلهم ضمن أركان تعليمية ثريّة بحيث يكون كل ركن مجهزاً بوسائل، أدوات، وألعاب تربوية، تستهدف مهارات الطفل لتطوير جميع الجوانب النمائية لديه، وهي المهارات المعرفية، الاجتماعية/ الانفعالية، اللغوية والتعبير اللغوي، العضلات الدقيقة، العضلات العريضة».
وتشير حدادين الى أن الأركان التعليمية التي تعتمدها كل روضة قد تختلف من واحدة الى أخرى. وتبين حدادين: «لقد أثبتت هذه الطريقة من خبرتي الخاصة وبناءً على نتائج الباحثين في مجال تعليم مرحلة الطفولة المبكرة، أن افضل أسلوب في تعليم الأطفال هو عن طريق اللعب، والتفاعل الإيجابي ضمن بيئة ثريّة وآمنة. ووجود الأركان في الصف يوفر مثل هذه البيئة، ويوفر فرصة للطفل أن يمارس مهارة الاختيار، وتحمل مسؤولية النشاط كما ويوفر القدرة على التعلم بالسرعة التي تناسب قدرة كل طفل».
وتتابع: «عندما يتعلم الطفل بطريقة تناسب مرحلته العمرية، وبأسلوب فيه متعة وسعادة فإن المهارة تتطور لديه بشكل خال من التوتر، والضغط النفسي، ويكون الاحتفاظ بالمعرفة والقدرة على استرجاعها أفضل اذ يتم تخزينها من خلال التفاعل الايجابي».
الأركان التعليمية تعزز التفاعل الاجتماعي
وتلفت المعلمة رولا عمارين الى التأثير الإيجابي الكبير على شخصية الطفل، اذ أنه من خلال تفاعل الأطفال مع بعضهم أثناء اللعب في الأركان تعزز «الروح «الاجتماعية لديهم ، وتتيح فرصة ابداء الرأي واختيار الركن الذي يريدون اللعب به، وتقمّص الأدوار ، كما وأنه يعطي الطفل الشعور بالمسؤولية، بالإضافة الى أننا نكتشف مواهبهم من خلال الانتباه الى الركن الذي يختارونه أولا ويفضلون قضاء أكبر قدر ممكن فيه.
وتشير الى أن العدد المسموح به في كل ركن هو خمسة اطفال فقط ليتسنى لهم حرية الحركة، ثم يتم التبادل ليتيح الفرصة للطفل بأن يلعب بالأركان الخمسة حتى انتهاء وقت التطبيقات في الاركان.
الأركان التعليمية تساعد على اكتساب مفردات لغوية
وتذكر المعلمة لانا نصرالله أهمية هذه الطريقة بتعليم اللغة الثانية للطفل: «من ناحية التطبيق فإنه يتم من خلال تعليمات المعلمة وارشاداتها ومراقبتها لتطبيق ما يطلب منه حيث يتم فتح قنوات الحوار ما بين الأطفال والمعلمة من خلال تنقلها بين الأركان والتحدث مع الأطفال باللغة الانجليزية، ما يفتح المجال للأطفال أن يعبروا عن أنفسهم باللغة الانجليزية، ويساعدهم على اكتساب مفردات لغوية جديدة، ومهارة التعبير عمّا يجول في خواطرهم بطريقة تناسب مرحلتهم العمرية».
وتشير الى أن هذه الطريقة لا تختلف عن اللغة العربية اذ يتنقل الأطفال من ركن الى آخر باستخدام أسمائهم الموجودة على بطاقات مزينة بأشكال متنوعة ليجد الطفل متعة في استخدامها.
وتقول أم سند داوود- وهي أم لطالب في رياض الأطفال-: «ان هذه الطريقة في التدريس أراحتنا كثيرا كأولياء أمور اذ يعود الطفل بمعلومات وأغانٍ جديدة دون الطلب منا ببذل جهد لتعليم الأطفال ومتابعتهم في البيت، اذ يقتصر التدريس على المدرسة «.
ويلفت أخصائي علم النفس التربوي أشرف داوود الى أن أهم وأخطر مرحلة في حياة الطفل هي السنوات الخمس الأولى من عمره ، وباستطاعة الأهل استثمار قدرات طفلهم العقلية في هذه المرحلة لأنها تؤثر على تفاعلاته الانفعالية والاجتماعية. بالإضافة الى ضرورة التركيز على تعليم اللغة في هذه المرحلة أيضا لأن لديه قدرة كبيرة على تكوين حصيلة لغوية تنعكس على طريقة تفكيره.
ويشير الى ضرورة وجود مثيرات للفت انتباه الطفل في رياض الأطفال خلال التعليم؛ لأنه وفق علماء النفس التربوي فإن الانتباه الانتقائي لدى الأطفال وقدراتهم على الجلوس في مكان محدد، وتلقي المعلومة ومعالجتها تبدأ منذ السنة السادسة من عمره. وبالتالي من المهم جدا تعليمهم من خلال النشاطات لأنها تجذب انتباههم.
ويبين أهمية التعليم ضمن مجموعات: «لكل انسان جوانب للنمو متعددة: النمو الانفعالي والجسدي والعاطفي والعقلي واللغوي، وترتبط هذه الجوانب ببعضها ، ونمو أي جانب منها سيؤثر على البقية، وبالتالي عندما نجمع عددا من الطلبة من نفس الفئة العمرية فإن ذلك سيزيد من لغتهم وقدراتهم العقلية، وسيصبح لديهم بعض المهارات كالتفاوض واللعب، وسيزيد من نموهم الأخلاقي، كما سيقلد الطفل أقرانه الذين يفوقونه بالقدرات، وبالتالي سيجنون فوائد جمّة.
ويتابع: «ومن خلال التعليم بالأركان فإنه يدمج أكثر من طفل في نشاط واحد ويكون بينهم تعلم مشترك، والمعلم يقدم لهم بعض التعليمات ما يفيدهم بشكل أكبر، كما يعلمونهم بهذه الأركان التعليمية بعض الأمور التي لها علاقة ببعض المهارات الاستقلالية اليومية «.
الأركان التعليمية فكرة فعّالة اذا طبقت بشكل صحيح
وتقول المستشارة التربوية الدكتورة أمينة الحطّاب إن:» فكرة التعليم بالأركان فكرة ناجحة وفعّالة جدا اذا طُبقت بطريقة صحيحة ومدروسة، وقام بها مختص، وإذا قُدمت للأطفال بمساحة كافية؛ لتمكنهم من التحرك داخل الركن بحرية، وأن يكون عدد الطلبة مناسباً لحجم الركن أيضا، ويجب أن يحقق كل ركن الهدف منه، وهو إما الجانب المنطقي أو الحسي أو الجسدي أو الموسيقي، بالإضافة الى ان تكون المعلمة مدربة جدا ولديها خبرة وكفاءة ومؤهلة لأن تقوم بتدريس هذا النوع من التعليم».
وتلفت حطّاب الى أن هذه الطريقة في التعليم تحفز النمو الدماغي للطفل وذكاءه، ولكل طفل نمط في التعليم يختلف عن الآخر والأركان تتيح لهم التعلم بالنمط المحبب لهم.
وتشجع حطّاب أن لا يقتصر هذا النوع من التعليم على مرحلة رياض الأطفال فقط، وإنما يجب أن يتعدى الى الصفوف الدراسية الثلاثة الأولى لأنها فكرة رائدة وستترسخ المعلومة في أذهان الطلاب والطالبات بشكل أكبر.
