الثلاثون من ايلول 2015 الروسي/ السوري،أسّس لمرحلة ومشهد جديدين في المنطقة العربية،بعد ان انهكتها الهجمة الشرسة التي اجتاحت عدداً من دول المنطقة.كان الهدف الاول منها ومع سبق الاصرار استخدام المجاميع الارهابية ذات الخطاب السلفي الجهادي التكفيري،لإعادة دولها والشعوب الى عهود الظلام ومزيد من الاستبداد وسفك الدماء،الذي ميّز مراحل سوداء من تاريخنا العربي.عندما سيطر عليها مُروّجو النظريات المتخلفة التي ما تزال تجد بين ظهراني العرب والمسلمين من يهتف لخطابها ويحتفي به، ويروم فرضه على أمة عانت وما تزال من العسف والاضطهاد وتحالف الشر،الذي جمع ويجمع حكاماً مستبدين وظلاميين مع قوى الاستعمار والصهيونية واصحاب رؤوس الاموال ووكلائِهم في المنطقة.
كانت سوريا وما تزال قلب العروبة النابض، ولهذا كانت الحرب فيها وعليها فصلاً اساس في مخطط الإجهازعلى ما تبقىّ من عوامل قوة ورفض لمخطط المستعمرين قديمه والحديث،الذي تربعت على رأسه الصهيونية،بما هي مشروع استيطاني إحلالي كولونيالي ومخفر متقدم للاستعمار الغربي،ولهذا كان التركيز على إسقاط الدولة السورية ونشر الفوضى (غير الخلاّقة) فيها وتحويلها الى منصة ومساحة تدريب ميداني،لتمرير مشروع تفتيت المنطقة على الأسس ذاتها التي كانت الامبراطوريتان البريطانية والفرنسية تسعيان الى اعتمادها في تأسيس كانتونات وإمارات طائفية ومذهبية وعرقية،تطيح والى الأبد المشروع القومي العربي،الذي لم يُفلِح المستعمرون العثمانيون،عبر مشروع التتريك المتسربِل بالاسلام وخزعبلات الخلافة المزعومة واساطيرها،في إسقاطه او دفعه الى الخلف.فكانت «اسرائيل»هي البديل الجاهز وهي»المختبر»الذي تجري فيه ومن خلاله إعادة تفعيل تلك المخططات الإجرامية.
ما علينا،
ادرك الرئيس الروسي واركان حكومته وقادة جيوشه ان مشروع اسقاط الدولة السورية واكمال مخطط تطويق روسيا،التي بالكاد»نجَت»من المخطط الامبريالي الذي أخذ ثقة متزايدة بالنفس بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والكارثة الذي جاء معها وبها بوريس وعصابته،ان السماح لهذا المخطط الجهنمي الذي وصل ذروته في سوريا يعني وضع روسيا في دائرة الاستهداف المباشر،فضلاً عن اجهاض كل المحاولات التي بذلتها روسيا – المتعافية تدريجياً من الآثار المدمرة لانهيار الاتحاد السوفياتي وسيادة الفوضى حدود الانهيار في عهد يلتسين.ما ادّى بالتالي الى القرار التاريخي الذي أسس لمعادلات جيوسياسية جديدة وغير مسبوقة في ربع القرن الاخير الذي انقضى على انتهاء الحرب الباردة،بالانخراط المباشر في سوريا وعدم السماح باسقاط الدولة السورية،التي كانت مجرد»طريدة»تم إنهاكها وسعى كثيرون من اجل اصطيادها، لإدخال المنطقة في أتون الحروب الطائفية والمذهبية والعرقية التي لا تنتهي,إلاّ بتمكين اسرائيل وتكليفها كتابة جدول اعمال المنطقة وقيادتِها،وخصوصا الاستيلاء على ثرواتها والقضاء المبرم على المشروع التحرّري العربي،الذي لم ينكسر رغم كل ما لحق به من ضربات وما حيك ضده من مؤامرات،اسهَم بعض العرب في تمويلها وتأجيجها والتحريض عليها بل والانخراط المباشر لإنجاحها.
ثمة هناك من بدأ يستعيد واهماً..»ملحمة»افغانستان وكيف نجحت مجاميع الارهابيين الذين وُصِفوا ذات يوم تضليلا وخداعاً بـ»المجاهدين»،في هزيمة الاتحاد السوفياتي،والتي كانت في أحد وجوهها ثأراً اميركياً وغربياً لعار فيتنام الذي الحقه الفيتناميون بدعم من الاتحاد السوفياتي وجمهورية الصين الشعبية بالامبراطورية الاميركية،وراح هؤلاء الذين لم يتعلّموا من التاريخ او يقووا على استخلاص دروسه وعِبره,يُروّجون لأوهامهم المريضة... بان روسيا بوتين قد فتحت على نفسها نار جهنم,وان مُستنقعاً جديداً ينتظرها,لا يقل خطورة «واكلافاً» ونتائج كارثية على روسيا،عن ذلك الذي أحدثه المستنقع الافغاني بالسوفيات..
خاب فألهم ومن فرط «عارهم»،لا يتحدثّون عن المستنقع الافغاني الذي انزلقت اليه»عزيزتهم اميركا»منذ سبعة عشر عاما،فيما عدّاد»الاستنزاف»في تسارع،والنتائج الراهنة تتحدث عن نفسها،فضلاً عن المأزق الخطير وربما الوجودي الذي بات عليه ممولو ومشغلو ورعاة الارهاب،أمّا سوريا ففي طريقها الى التعافي واستعادة ما تبقّى من اراضي ما يزال الاتراك والاميركيون وبقايا الجماعات الارهابية ,يوهمون انفسهم بقدرتهم على عرقلة النصر النهائي الذي أسهم الاصدقاء الروس في إحرازه،بعد ان صمد السوريون واثبتوا قدرتهم على مواجهة المؤامرة الكونية وإحباطها.هنا يكفي المرء ان يقرأ ما كتبه الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند في مذكراته الموسومة (أُمثولات السلطة) ليخرج باستنتاج كيف يقرأ المستعمِرون ما حدث في سوريا منذ 30 ايلول 2015 «لو ضربنا النظام في 2013،لتغيّر مسار الحرب في سوريا»هكذا رأى هذا الرئيس المهرّج المسألة،فيما جون كيري يقول في مذكراته التي عنوانها»كل يوم هو إضافي»: انه «اعتقَد» ان اوباما سيَفي بوعده,بعد ان تخطّى نظام الاسد في سوريا الخطوط الحمراء,والتي تمثلت في إقدامه على استخدام اسلحة كيميائية (..) وانه (كيري) انتقد موقف الادارة التي أكّدت مِراراً قبل ذلك ان «لا مستقبل لنظام الأسد».
في السطر الأخير...كانت سوريا بالنسبة للإمبرياليين الغربيين الجائزة «الكبرى» التي حلموا الفوز بها,إلاّ ان عاصفة السوخوي قلَبت احلامهم الى كوابيس.
kharroub@jpf.com.jo
ثلاث سنوات على عاصفة «السوخوي» ..أو كيف كان المشهد عند «هبوبِها»
11:15 29-9-2018
آخر تعديل :
السبت
مواضيع ذات صلة