كتاب

من «لورد» فرنسا إلى «لورد» الأردن

تشرفت عام 2015، بكتابة مقال هنا بعنوان «في افتتاح مركز جديد للحج الديني» (الرأي 6/5/2015)، وعنيت به مزار سيدة لورد في ناعور. وبعد ثلاث سنوات، حلّ علينا ضيفا في المملكة سيادة المطران نيكولا بروفيه، رئيس مزار لورد الفرنسية، لمدة أسبوع، وبدعوة من وزارة السياحة والآثار، وجهود دؤوبة من هيئة تنشيط السياحة.

بدا الضيف العزيز متأثراً بالضيافة وحسن الاستقبال، وهما سمتان من سمات الشعب الأردني، ومشهود لهما في مختلف المحافل الدولية. لقد حلّ المطران الضيف من مطار باريس إلى عمّان، وهو يدرك انه قادم من بلاد العلمانية بامتياز، بمعنى الفصل الكامل ما بين شؤون الدنيا وشؤون الدين. ولا يدرك انّ الاهتمام بضيف ديني سيكون له استقبال واهتمام من الأوساط كافة ومن بينها العديد من المراكز الرسمية، لذلك وضعت زيارته للاردن حنينا لوقار يفتقر اليه في بلده.

كان البرنامج متوازناً، من زيارة دار رئاسة الوزراء ومقابلة معالي نائب الرئيس الدكتور رجائي المعشر، والسفير الفرنسي، إلا أن زيارة كريمة قد أثرت به بشكل مضاعف وهي زيارة دائرة الافتاء ومقابلة سماحة المفتي الدكتور محمد الخلايلة، وجرى حديث حول العلاقات بين المسلمين والمسيحيين في بلادنا الشرقية وفي البلدان الغربية. وهنالك فرق شاسع بين المنطقتين: فالمسلم الذاهب إلى الغرب هو مهاجر وضيف طارئ ومطلوب منه أن يعمل ليل نهار على نفسه وعلى عائلته للاندماج الكامل في قوانين البلد الذي يكون فيه، بينما في بلدنا العربي هنالك التعددية الدينية كجزء من المكوّنات الرئيسية للمجتمع الواحد. فالمسيحي هنا ليس طارئاً ولم يأت هنا ليشرب قهوة ويغادر، بل هو في مقرّه العادي ولا يحتاج لبذل جهود للاندماج. أما ناعور فأتاها الضيف ثلاث مرات: الاولى للقاء بالمتصرف ورئيس البلدية وترؤس صلاة بين أعضاء الرهبنيات المتعددة في الأردن. وقد استقبل بحفاوة بالغة، بمشاركة الفرق الكشفية التي أبدعت بمعزوفاتها الوطنية. والمرة الثانية كانت لقاء حاراً مع المجموعات الشبابية القادمة من مختلف أنحاء الأردن، والثالثة كانت القداس الحاشد الذي شارك به رسميون من الكنيسة والمجتمع، وأعلن المطران فيه حالة «التوأمة»بين مزار سيدة لورد في فرنسا وشبيهه في الأردن، ومقرّه في ناعور. وهي التوأمة التي ستنعكس ايجابياً على انتعاش السياحة الدينية في بلادنا. فمدينة لورد الفرنسية يأتيها سنوياً ملايين الحجاج، وباستطاعتنا الاستفادة من الخبرات الناجحة من أجل تطوير ما لدينا، وتكثيف الجهود لتسويق افضل للمنتج السياحي. هذا فضلاً عن المعمودية التي أجراها المطران للطفل عمر المعشر بمياه نهر الأردن المبارك في موقع المغطس.

وبعد، فقد حلّ مع الضيف وفد صحفي يمثل كبرى الصحف والدوريات والتلفزيونات الكاثوليكية في فرنسا، ابتدأ الضيوف بنشر مقالاتهم عن الأردن وعمّا شاهدوه وعاشوه وهذا أيضاَ سيحفز القراء والمتابعين، لقنواتهم الإعلامية، على زيارة الأردن والإطلاع على حقيقة التلاحم الأردني والتاريخ الضارب الجذور في أعماق التاريخ.

Abouna.org@gmail.com