كليلة و دمنة هما اثنتان من حيوانات بنات آوى تعيشان في الغابة .
وكتاب «كليلة ودمنة» ليس مجرد سرد لحكايات على ألسنة حيوانات وهميّة، بل هو كتاب يهدف إلى نشر النصح الخُلقي، والإصلاح الاجتماعي، والتوجيه السياسي.
ففي الكتاب عدة ابواب وفصول منها مثلاً :
باب الحمامة المطوّقة فإنه يدعو إلى التعاون، وباب الأسد والثور يكشف عن خفايا السياسة الداخلية في الدولة، وصراع السياسين وتنافسهم، ويقدم باب إيلاذ وبلاذ وإيراخت توجيهات في أصول الحكم، ويتناول باب البوم والغربان وباب الجرذ والسنور السياسة الخارجية ويقدم التوجيهات في هذا الموضوع، أما أبواب القرد والغيلم، والناسك وابن عرس، والأسد وابن آوى، واللبؤة والأسوار والشّغبر، والناسك والضيف، والحمامة والثعلب ومالك الحزين، كلّها تُشير إلى عِظات أخلاقية فردية متنوعة المواضيع.
وباب (الفصح عن أمر دمنة) والذي أضافه ابن المقفع من عنده الى الكتاب فيتناول موضوع عبثية محاولات المجرم التهرّب من وجه العدالة، وأنه لابد أن ينال قصاصه العادل، كما يتناول هذا الباب واجبات السلطة القضائية.
ولهذا الكتاب «كليلة ودمنة» الذي ترجمه قديماً الأديب العلَّامة «ابن المقفع» أهمية كبرى لا في الأدب العربي وتاريخه فحسب, بل في تاريخ الآداب الإنسانية الشرقية منها والغربية.
وتتمثل هذه الأهمية في الأمور التالية:
أولاً: مضمون الكتاب هي موضوعات وإن كانت موجهة إلى الحُكام والأمراء, فإن الناس والمتأدبين والأدباء قد شغفوا بها, وقرؤوها, في كل زمان ومكان.
ثانياً: حكايات الكتاب فيها الكثير من الحِكم التي عُرضت في قالب قصصي شيق, وقُدمت على ألسنة البهائم والطير والحيوان, فكان فيها ما يغري بالقراءة, وكان فيها ما يشد القراء إلى متابعة قراءتها, والحرص على الحياة معها.
ثالثاً: اشترك في تأليف الكتاب وترجمته ونقله للدنيا شرقاً وغرباً, وإمتاع الإنسانية به, ثلاث أمم كما قال الدكتور طه حسين:
- حكمة الهند
- وجهد الفرس
- و لغة العرب
فهو رمز لتعاون إنساني في خدمة الفكر والثقافة والأدب, أبرزته أمم ثلاث شرقية , كنموذج يمكن أن يصل إليه التعاون الإنساني في مجالات الفكر والعلم والفن.
رابعاً: لقي الكتاب انتشاراً واسعاً, وترجم إلى أربعين لغة من لغات الدنيا, وترجم إلى بعضها عدة مرات.
وقد تتبع بروكلمان كتاب كليلة ودمنة في (دائرة معارف الإسلام) هذه الترجمات, وعددها, وأرخ لها.
وقد تُرجم الكتاب هذا الى العديد من اللغات مثل اللغات:
الفهلوية, السريانية القديمة, العربية, السريانية الحديثة, الفارسية, الهندية, التركية القديمة, التركية الحديثة, القازانية, المنغولية, الأثيوبية, العبرية, اللاتينية, الاسبانية القديمة, الاسبانية الحديثة, الفرنسية, الإيطالية, الألمانية, الإنكليزية, الدانمركية, الروسية, اليونانية, الماليزية, العثمانية.
خامساً: اهتم المستشرقون بالكتاب اهتماماً بالغاً, فكانت أولى طبعاته العربيات بباريس, وحرصوا على ترجمته من جديد إلى لغاتهم, كما تتبعوا أصله الهندي, حتى استطاعوا التوصل إلى معرفة الكتابين اللذين اعتمد عليهما المترجم الفارسي القديم, وهما (بنلج تانترا, ومهابهارتا).
سادساً: ترجم ابن المقفع الكتاب في منتصف القرن الثاني الهجري, فهو أقدم ما بين أيدينا من كتب النثر الفني العربي, وأسلوبه مثال من أقدم أساليب الإنشاء في لغتنا. يضاف إلى هذا أنه منقول عن الفارسية ففيه بيان واضح لما بين الفارسية والعربية من صلة في القرن الثاني من جهة, ولما للنثر والفكر الفارسيين من أثر على الفكر و النثر العربيين من جهة ثانية.
سابعاً: وكليلة ودمنة أحد الكتب العربية التي زينت بالصور, وزوقت بالمنحنيات الملونة, بل لعله الكتاب الوحيد الذي كتب في القديم مزيناً بالألواح الملونة مرات عديدة, ثم طبع في العصر الحديث طبعات عديدة , قلما خلت إحداها من صور مستمدة من النص.
الأولى مطبوعة بالقاهرة في الثلاثينيات, وبها أكثر من منظر مصور باللونين الأبيض والأسود.
والثانية طبعة دار المعارف بمصر المطبوعة عام 1941م وبها ثلاث عشرة لوحة رائعة بالألوان الطبيعية, فضلاً عن صفحات الكتاب جميعاً محاطة بإطار مرسوم بالرقش العربي.
والثالثة نسخة دار الشروق بيروت – لبنان وقد صدرت عام 1973 فكانت تحفة فنية مزينة بأكثر من مائة وثلاثين لوحة تصور مناظر من قصص الكتاب.
وللعرب دور كبير في العناية بكتاب كليلة ودمنة.. يتجلى ذلك في ترجمتهم إياه في وقت مبكر على يد ابن المقفع في منتصف القرن الثاني, ثم في ترجمته إلى اللغة العربية أكثر من مرة , ويتجلى ذلك أيضاً في نظم هذا الكتاب التراثي شعراً عربياً ثلاث مرات على أيدي آخرين .
و أيضاً هناك من قلد الكتاب من بعض الكتاب والأدباء, ونقل بعضهم عنه, ففي كتاب «عيون الأخبار» لإبن قتيبة صفحات كثيرة من كليلة ودمنة.
وهناك العيد من مخطوطات كتاب كليلة ودمنة موزعة في مكتبات سورية ومصر وتركيا وروسيا وفرنسا وإيطاليا واسبانيا.
