كتاب

لبنان: جدل الحكومة... وحكومة الجدل؟

أكثر من ثلاثة أشهر انقضت على الانتخابات البرلمانية اللبنانية،ونحو'90 يوماً'انصرمت على تكليف سعد الحريري، رئيس الكتلة السُنيّة الأكبر التي افرزتها إنتخابات عكست تراجع قوته التمثيلية، وخصوصاً مع فوز رموز سُنيّة ذات وزن وحيثِية، في بلد تجذّرت فيه الإنقسامات الطائفية والمذهبية، على نحو لا يستطيع الزعم أنه الزعيم السُّني ألأقوى والوحيد، كما كان يدّعي قبل الانتخابات الأخيرة،التي جرت وفق قانون انتخاب جديد، وإن غير قائم على النسبية الكاملة, ما ابقى على الطائفية السياسية التي تراعي مصالح لوردات الحرب والرموز الدينية.تلك المعادلة التي اتّكأ عليها وبرز والده (رفيق) فجأة في المشهد اللبناني، وتم زجّه في العمل السياسي عنوة، فاغلق بيوت سياسية سُنيّة عريقة،حيث بدأ نجمه بالصعود واللمعان, إلى ان قضى اغتيالاً في تفجير الرابع عشر من شباط 2005, ليرثه ابنه سعد الدين الذي جاء هو الآخر من'عالَم' لا صلة له بالسياسة من قريب أو بعيد، وبدا وكأنه يستعيد سيرة والده, لكنه اخفق طوال ثلاثة عشر عاماً وخصوصاً في السنوات التي استثمر فيها'إرث والده' في البروز كزعيم مُقنِع أو على درجة عالية من الكفاءة السياسية أو القدرة على تدوير زوايا الخلافات والصِراعات اللبنانية 'التاريخية', والمبنية على أُسس طائفية ومذهبية، ودائماً في ارتباط معظم القوى والشخصيات السياسية والحزبية، بل و'الروحية'بالخارج اللبناني, على نحو يُبقي لبنان على الدوام أسير حسابات ومصالح الخارج، ونادراً ما يجد خطاب المصالح الوطنية طريقه إلى أولويات المشهد اللبناني.

ما علينا..

رئيس الحكومة اللبنانية المُكلف، ومنذ الأزمة'الشخصية'ذات الأبعاد السياسية والإقليمية التي تعرّض لها في الرابع من تشرين الثاني الماضي، بدا مُكبلّاً وفاقد القدرة على اتخاذ قرار مستقل, وهو يرنو للخارج وكأنه ينتظر'كلمة السر' التي تمنحه ضوءاً أخضر للمضي في تشكيل حكومته العتيدة, والتي بات إشهارها مُعقّداً في ظل الشروط والشروط المُضادة التي تطرحها أطراف المعادلة الحزبية والسياسية وخصوصاً الكتل البرلمانية الفائزة, حيث أسهمت انتخابات السادس من أيّار الماضي في تقدّم احزاب وائتلافات حزبية وبالذات ذات الارتباط بعواصم إقليمية عربية (وغير عربية) مثل القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع، كذلك وليد جنبلاط زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي إضافة لخصمهما'الأول'وهو التيار الوطني الحر بزعامة جبران باسيل، وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها الحريري، وخصوصاً أنه (باسيل) صهر الجنرال عون رئيس الجمهورية, الذي فجّر سِجالاً, عندما 'فسّر' حملة'الخصوم'على صهره, بأن سببها هو 'تَقدُّم باسيل في السِباق الرئاسي'أي السباق على رئاسة الجمهورية، ما يعني أن الجنرال يُزكّي صهره مُسبَقاً لوراثته في (رئاسة الجمهورية),علماً أن سبع سنوات كاملة تفصِلنا على موعد السباق الرئاسي.

الحريري في موقف لا يُحسَد عليه، ليس فقط لأن المتنافسين على الحقائب الوزارية نوعاً وعدداً, ما يزالون حتى اللحظة يتشبّثون بمواقفهم ويصرّون عليها, وإنما لانه شخصياً غير قادر على حسّم مواقفه وخياراته. فهو في الوقت الذي يسترضي فيه جعجع وجنبلاط اللذين تدعهما عاصمة اقليمية مؤثِّرَة، يُدرك استحالة مواصلتِه لعبة شراء الوقت التي باتت مكشوفة للآخرين, وانه سيأتي وقت تنتهي فيه مهلة تكليفه, ليصار لتكليف شخصية'سُنيّة أخرى',ما يُشكِّل ضربة موجِعة لمستقبله السياسي والشخصي, او يضطر لتقديم حكومة'أمرٍ واقع'لرئيس الجمهورية, وعندها'قد' تتراجع بعض القوى المدعومة اقليمياً, او يعتذِر الحريري عن مهمة التكليف,لِيغدوا لبنان حينذاك أمام معادلة جديدة, ولكن في مشهد أكثر تعقيداً, يبدأ مباشرَة بعد عطلة العيد. حيث تسعى واشنطن لتغيير مهمة قوات اليونيفيل التي ينتهي تفويضها نهاية آب الجاري, بحيث تصطدِم مع حزب الله, الذي يرفض إدخال اي تعديل على مهمة اليونيفيل كما حدّدتها قرارات مجلس الأمن وبخاصة القرار 1701 ,ولا ينتهي بالطبع بتهديدات العدو الصهيوني المُعلَنة... شنّ حرب مفتوحة على لبنان، فضلاً عن تدخلات العواصم الإقليمية التي تريد تعويض هزيمة مشروعها التكفيري في سوريا والعراق وساحات وميادين عربية أخرى تُسفَك فيها دماء الأبرياء.

kharroub@jpf.com.jo