كتاب

عن عالم مصري فقدناه.. مغترباً!

من حق المصريين أن يفخروا بالدكتور عادل محمود الطبيب والاستاذ الجامعي الذي توفي في نيويورك الشهر المنصرم عن 77 عاماً فوصفته google بأنه رائد صناعة الأمصال في العالم واشادت بجهوده جريدة النيويورك تايمز، ونعاه بيل غيتس ووصفه بانه واحد من اعظم مكتشفي اللقاحات في عصرنا، كما نعته السفارة الاميركية في القاهرة كعالم مصري اميركي.

ومن حق الاعلام المصري أن يفرد مساحات واسعة للحديث عن حياته وانجازاته في مجال ابحاث الامراض المُعدية واللقاحات الخاصة بمكافحة وباء الايبولا وعلاج سرطان عنق الرحم وتقول موسوعة ويكيبيديا( لعل من اشهر أعماله المساهمة في حل أزمة التطعيمات عام 2013 حين ظهر عدد من حالات التهاب السحايا بين طلبة الجامعة ولم يكن في كل الولايات المتحدة مطاعيم لهذا المرض (!) عندها استخدم علاقاته الاكاديمية الوثيقة مع الجامعات الاوروبية في طلب المصل اللازم كما تدخل لدى ادارة اوباما حتى يتم الحصول على تصاريح ادخاله).

بقدر اعتزازي الشخصي والقومي بهذا العالم المصري الذي تخرج طبيباً من نفس جامعة القاهرة التي كان لي شرف الالتحاق بها ذات زمان بعيد، وبقدر احترامي لمشاعر اسرته وحزنها على فقده كان حرصي شديداً على تجنب إفساد المشهد الجليل باسئلة عبثية غير ذات جدوى مثل: لماذا هجر عادل محمود بلاده وقَصَرَ عطاءه العلمي على بلد اجنبي بدل وطنه وشعبه؟ أو لماذا لم يفطن الاعلام المصري لعبقريته قبل وفاته؟ أو ماذا وراء اهتمام غوغل وبيل غيتس والنيويورك تايمز والسفارة الاميركية في القاهرة به؟ واخترت بدلاً من ذلك أن اغتنم المناسبة لألمس ولو قليلا الجانب الاكثر اهمية في حياة الراحل وهو المتعلق بالتطعيم الذي يعتبر ركناً وقائياً اساسياً من اركان الرعاية الصحية الاولية منذ اوصت بها منظمة الصحة العالمية في اعلانها التاريخي عام 1978 والتزمتْ بها معظم دول العالم ومنها الاردن الذي حقق بمالٍ قليل نجاحاً صحياً عز نظيره في المنطقة، أما أميركا القوية الغنية فقد تعالت عليها باعتبارها تخص دول العالم الثالث الفقيرة، وكانت تلك غلطة تاريخية أدت الى جوائح مرضية مرصودة ومسجلة اصابت فقراء الولايات المتحدة وتحديداً في صفوف الفئات المهمشة كالسود والهنود الحمر، وما القصة المخزية عن اصابة طلبة الجامعة بالتهاب السحايا وتوسّط (!) العالم المصري لدى اوروبا للحصول على المطاعيم اللازمة إلا نتيجة لذاك الفهم الاميركي الخاطئ، كما ادت تلك الغلطة فيما أدت الى أن التأمين الصحي الحقيقي الذي نعرفه في اوروبا وكندا قد غاب عن الولايات المتحدة وحتى مشروع (أوباما كير) المحدود المنقوص ألغاه الرئيس ترمب لحساب شركات التأمين الصحي التجارية، ونحن لا نستطيع في هذا السياق أن ننسى أن جزءً من عمل طبيبنا المصري الفذ كان في الصناعة الدوائية وهي في ذاكرتنا القريبة والبعيدة لا تعلو على الشبهات مادامت مسخّرة لانتاج وتسويق الادوية واولويتها في حصد الارباح المتكررة تتقدم حتماً على ابحاث المطاعيم الجديدة محدودة الربح التي تقي الناس الى آخر العمر من مخاطر الأمراض قبل حدوثها!

وبعد.. وهكذا فليس سهلاً عزل موضوع الطب وامجاده عن هموم الناس الحقيقية وتطلعهم لانظمة صحية افضل واكثر عدلاً.

zaidhamzeh1932@gmail.com